يتمتع الأستاذ فهد بن علي العريفي يرحمه الله بأسلوبه المتميز الذي يفوح منه عبق الوطنية، ورائحة الأصالة، وشذا الإخلاص مما يشد القارئ الذي لديه حاسة تميز، هذه الأرواح، فإنه يزداد انجذاباً لقراءة ما كتب ويكتب أبو عبدالعزيز في الصحف والمجلات عبر عدة عقود أمضاها من عمره في الحياة الصحفية، فمقالاته ليست مما يملأ الصفحات من أي كلام، وإنما هي من الكلام الصائب المفيد الذي يدل علي مضمون معين ويصيب كبد الحقيقة، وأغلب ما يشغل باله في هذه الكتابات قضية الوطن والمواطن واحتياجاته ومشاغله وإشكالاته وآلامه، وآماله، وكم كان لهذه المقالات من تحقيق الكثير من المطالب التي عنتها وانتبه لها المسؤولون، ولم يقتصر إحساسه في هذه المطالب على المنطقة التي ينتمي إليها أو يقرأ عنها أو يسمع عن مشاكلها، وإنما شملت جميع مناطق المملكة العربية السعودية، فلا يخلو مقال من موضوع معين أو هدف مقصود ينبه إليه، ويقترح الحل المناسب له، وفي كتابه «من وراء الحدود» الذي نشره النادي الأدبي بالرياض عام 1401ه - 1981م وهو كتاب جذاب مفيد يحتوي على الكثير من الموضوعات الشيقة التي تجمع بين الإرشاد للأماكن والطرق التي يتبعها السائح العربي والخليجي، إذا ذهب خارج بلده، وبين الغيرة على ما يرتكبه بعض السياح العرب من أخطاء تشوه سمعة بلادهم وأمتهم، سواء فيما يتعلق بالتصرفات النشاز أو الصرف المفرط في النوادي والتجمعات يحاول فيها البعض أن يوهم الآخرين بأنه من أصحاب الجاه والثروة، وربما جلب سخطهم واحتقارهم له وآذى نفسه من قبل اللصوص، كما يضم إرشادات قيمة للسائح الذي يخرج من بلده الأول مرة إلى بريطانيا لتدله على الأماكن التي ينبغي عليه أن يزورها، لا أن تقتصر زيارته على «الهايدبارك» و«البيكادلي سيركس» وما حولهما، ومنها المعارض والمتاحف والأماكن المفيدة، كما يتضمن الكتاب تذكيراً بانتشار الإسلام في بريطانيا وقت إعداد الكتاب قبل عشرين سنة وعدد المساجد يومذاك التي بلغت 46 مسجداً، ولا شك أن المساجد قد زادت اليوم إلى حوالي الضعف، وقد جمع الكاتب بأسلوبه الرشيق بين الجد والهذل والمقارنة المتفاوتة، حيث ينقل القارئ من الجو البريطاني المنفتح على مصراعيه إلى الجو الشرقي العربي والإسلامي الذي تحكمه التعليمات الدينية والأخلاق والمثل العليا، ويطعم هذا الحديث ويعطره أحيانا بالأبيات المناسبة من الشعر العربي الفصيح أو الشعر الشعبي الممتع حسب الموقف الذي يتحدث عنه، والكتاب على صغر حجمه وعدد صفحاته التي زادت عن 100 صفحة، لكنه خفيف المنقل عظيم الفائدة بمحتواه من الكلام المختصر المفيد من المشاهدات التي رآها الكاتب رأي العين ورسمها، كما شاهدها، والخواطر التي خطرت بباله حين رأى هذه المشاهد والذكريات التي ذكرته بها هذه الرؤى، بأسلوب رصين جذاب، وليس ذلك بكثير على أبي عبدالعزيز نظراً لتمكنه من ناصية الكلام ومقود البلاغة وزمام لأسلوب، وفي كتابه الثاني عن حائل وهو أول سلسلة هذه بلادنا الذي طبعته الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1420ه الذي قدم له الشيخ حمد بن محمد الجاسر رحمه الله وأثنى عليه بقوله: «وحمدت لك في كتابك عدم طغيان العاطفة فيما تحدثت به من محاسن هذا القطر الكريم الذي هو جزء من بلاد طويلة عريضة تتشابه كل أقطارها في جميع أحوالها» وتحدث في هذا الكتاب بروح وطنية صادقة مبينا ما تتميز به هذه المنطقة عن غيرها في عدة وجوه منها الموقع الجغرافي والمناخ المميز، والبلدات والقرى التابعة لمدينة حائل التي أصبح عدد منها الآن مدنا متوسطة عددها ثلاث عشرة مدينة متوسطة غير حائل، ونبذة عن كل منها، كما تحدث عن الأماكن والمعالم القديمة التي لا تزال تحتفظ حتى الآن بأسمائها منذ ما قبل البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وعن مواقع هذه الأماكن بالنسبة لمدينة حائل وبعدها عنها، فبلغت أكثر من 60 بلدة وقرية، كما تحدث عن حائل المدينة، وعدد أحيائها، واستعرض لقضاتها، والتعليم فيها، وعن الحالة الاقتصادية، تجاراتها قديما وحديثا، وبعض العادات والتقاليد والنشاط السكاني، والأولويات التي حدثت فيها وغير ذلك من الأبواب الشيقة، كل هذا بأسلوب مختصر مفيد، يبتعد عن الاسترسال والتطويل، ملتزماً بذلك الموضوعية متجنباً طغيان العاطفة، كما أشار الشيخ حمد الجاسر، مما سبق يتضح ما للأستاذ فهد العلي العريفي من إسهامات متميزة في مجال الكتابة الصحفية والأدبية والجغرافية والاجتماعية، وليت هذه الكتابات تجمع في كتاب يلم تفرقها ليتمكن القارئ الذي قرأها المرة الأولى أن يقرأها مرة ثانية ومن لم يقرأها البتة أن يطلع عليها، لأن الكتابة في الجريدة أو المجلة عمرها يوم واحد أو أسبوع، ثم تنتهي وتنسى إلا من باحث متخصص، وبتجميعها وطباعتها في كتاب واحد أجدر وأسهل لقراءتها وهي ثروة ثمينة يصعب التفريط بها لما لها من قيمة أدبية واجتماعية، ومع أن بعض ما جاء فيها من مطالبات قد تحقق إلا أنه يستدل بها على مقدار ما يولي كاتبها من عناية واهتمام بشؤون وطنه ومواطنه.رحم الله أبي عبدالعزيز وجزاه عن وطنه ومواطنيه خيرا.
|