عودت نفسي عادة لا زلت غير متأكد من صحتها وسلامتها، وهي أنني إذا قرأت لكاتب وأعجبت بما يطرح من آراء وأفكار جعلت صلتي به ما يكتبه، واكتفيت بذلك وابتعدت أو حاولت الابتعاد عن الاتصال به أو معرفته عن كثب، وسبب ذلك أنني لا أريد أن تعكر الصلة المباشرة ما أستمتع به مما يطرح ذلك الكاتب أو الأديب حتى تبقى الصورة التي كونتها صلة الفكر والأدب عنه هي ما في ذهني، وعندما تحتم الأسباب والظروف صلتي بمن عرفته أديباً وكاتباً كنت أرى في بعضهم صحة ما أفعل إلا في القليل.. ومن هؤلاء القليلين الذين اتصلت بهم بعد إعجابي بأدبهم وفكرهم ووجدتهم في سلوكهم وعلاقاتهم الشخصية وأدب نفوسهم هم مثلما كانوا فيما يطرحونه للناس من آراء وما يعرضونه للقراء من أفكار، بل لعل بعضهم كان في علاقاته وصداقاته وصلته بالناس الذين تربطه بهم أسباب الحياة أكثر صدقاً واحتراما وتقديرا للآخرين ورفقائهم.
كان فهد العريفي -يرحمه الله- أحد هؤلاء القلة الذين أعجبت بما يعرض من الآراء وما يعالج من القضايا الأدبية والاجتماعية، وكنت أحس صدق الرجل فيما يعرض، وقربه من قرائه فيما يكتب، واتساع صورة الوطن في ذهنه، واهتمامه بقضايا العامة قبل الخاصة، ولهذا السبب اكتفيت بقراءته من بعيد. وتشاء الصدف أن ألتقي به وأستمع اليه وأعرفه عن قرب فإذا ما يعبر عنه قلمه أقل بكثير مما يتصف به من سمو الخلق ولطف المعشر واحترام النفس والآخرين. عرفت فهدا الرجل الإنسان بعد معرفة فهد الكاتب الأديب الذي اجتمعت فيه صفتا الرجولة والأدب، ووجدتني أتوق لرؤيته وأطرب لزيارته وأستفيد من دماثة خلقه وصفاء روحه، والأهم من ذلك كله ما نذر نفسه له وسخر قلمه من أجله وهو شعوره بهموم الآخرين ومعاناتهم ورغبته فيما يصلح ما اعوج من سبل الحياة أو انحرف من طبائع البشر، وهمه الذي يلازمه هو هذا الوطن أرضا وسكانا، وحديثه الذي يكرره هو مشاركة الناس هموم الحياة وأمل المستقبل.
كنت بعد أن عرفته شخصياً أزوره في منزله وألقاه مع إخوانه وأصدقائه فلا أخرج إلا وأنا أكثر قرباً منه وتقديراً لأفكاره التي أجدها مجسدة في سلوكه. عندئذ شعرت أنني أخطأت في مذهب الاحتراز الذي كنت آخذ نفسي به، وأن فهداً أقنعني بضده، فإليه أعتذر.
|