إنه لمن الأساليب الراقية أن تتوقف المؤسسات الثقافية بين الحين والآخر عند إنجازات بعض كتابها أو الرموز الأدبية فتفتح صفحاتها في أعداد خاصة لاستعراض ما تحقق عن طريق استكتاب المتابعين للشأن الثقافي من الكتاب وربما القراء أيضاً لإلقاء الضوء على تلك الإنجازات.
وهو ما يفعله الملحق الثقافي بهذه الجريدة كبادرة من المعنيين بالمتابعة لديه وقد اتبعت هذه الوسيلة في السابق ملاحق مماثلة في صحيفتي المدينة والبلاد - قبل تغيير محرريها - فأفردت بعض أعدادها لهذه الغاية كوسيلة دارجة في الصحف العربية الأخرى ولا يخفى أن الشأن الثقافي لدينا مهمش إلى عهد قريب قبل أن تبادر قيادتنا بالخطوة الإيجابية لتفعيله عندما أوكلت تحريكه إلى وزارة الإعلام بل أحالت شؤون الثقافة كافة إلى هذه الوزارة فتمنياتنا لأدبنا بأن يحظى بما يستحقه بعد تحديث هذا الجانب عن طريق الوزارة العتيدة التي درجت على التركيز على الجانب الإعلامي والزميل فهد بن علي العريفي -يرحمه الله- للتاريخ ولمن لا يدري هو من جيل كاتب هذه السطور وقد انصهرت معاناتنا معا منذ أربعين عاما فأمطرنا الكثير من المصالح بانتقاداتنا اللاذعة مع عنفوان الشباب الذي ولى بعد الزجر والتأنيب - وهي تضحية لا بد منها قدمناها بلا مَنّ وبلا تفاخر في سبيل الوطن وتصحيح بعض إعوجاج مؤسساتنا الخدماتية.
فلقد كتبنا في الصحف والمجلات المحتجبة التي كانت تصدر آنذاك والتي ما زال بعضها يوالي الصدور ابتداء من الخليج العربي وحراء وقريش والرائد والمنهل والبلاد السعودية وعكاظ واليمامة وغيرها في عهد الأفراد قبل أن تحول إلى مؤسسات حكومية أهلية مختلطة!
ولأبي عبدالعزيز مواقف طريفة ونادرة مع الكتابة والقراء أرجو أن يتسع الوقت لتسجيلها قبل أن تذهب بها رياح النسيان والعمر الذي يطارد المتبقي من قوانا لاسيما الذاكرة المكدودة.
على أنني أشهد بأن أبي عبدالعزيز صلب لا يتزحزح عما يؤمن به قوميا ووطنيا فالعروبة تنتفض بين جوانحه ولا يرضى لها بأن تهان أو تستباح عن طريق العابثين بهذا القدر - الرمز - وكانت ميوله في البداية قصصية روائية لولا أنه عدل عنها لأسباب أجهلها فاتجه إلى المقالة أو المعالجة الاجتماعية الساخرة كما يمتلك ذاكرة تنحو إلى النقد اللاذع وهو منحاز بشكل واضح إلى مدينة حائل. ومع ذلك فإن المكتبة تشكو من ندرة مؤلفاته التي لا أعرف منها سوى كتاب عن مدينته الأثيرة مسقط رأسه ومرتع شبابه أن كنا جميعا قد سعدنا بالمرتع الذي كنا عبارة عن جفاف وتقريع من كبار القوم الذين يلاحقوننا إلى درجة المحاصرة في كل ما نفكر به، والأستاذ فهد عالم قائم ومدرسة بذاتها يضيف إلى تلاميذه اتساع الرؤية وبعد النظر فالمستقبل سوف يتفجر عن اندفاع إلى حرية سرمدية لا تقف في طريقها الأنظمة المتأكلة والمرتعشة من الخوف على مصيرها فالكلمة للشعوب التي ملت وسأمت من التردد والنفاق بعد صبر طويل على المعاناة والشقاء.
|