* الرياض - عبدالله هزاع:
(الحديث عن اللغة العربية حديث ذو شجون، والحديث عن التحديات التي تواجهها اللغة العربية حديث ذو شجون وأشجان).. بهذه الكلمات الشجونية استهل الدكتور أحمد بن محمد الضبيب المحاضرة التي ألقاها في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات تحت عنوان (اللغة العربية وتحديات العصر)، حيث صنف هذه التحديات التي تواجهها اللغة في صنفين:
الأول ما يسمى بالتحديات العامة وهي تلك التي تتصل بالواقع اللغوي الذي تعيش فيه اللغة، والظروف المهيأة لها أو المفروضة عليها من قبل مستعملي هذه اللغة أو غيرهم، وتتعلق بقدرة هؤلاء على الدفع بلغتهم إلى الأمام أو التقهقر بها إلى الخلف.
أما التحدي الثاني ما يمكن أن يدعى بالتحديات الخاصة وهي تلك التي تتصل باللغة ذاتها، ومن حيث قدرتها على استيعاب احتياجات العربي المعاصرة، ووصله بالجديد من العلوم والمخترعات، والاستجابة لمتطلبات العصر في مجالات التقنية وصناعة المعلومات.
وقال: (لكن النجاح في التغلب على التحديات الخاصة التي تواجهها اللغة لا يكون متحققاً أو كلاماً إلا إذا استطعنا القضاء على التحديات العامة.
وأضاف: ولعل أهم التحديات العامة التي تواجهها اللغة العربية هذه الأيام مزاحمة اللغة الأجنبية لها، وما تبع ذلك من قيام واقع لغوي مشوّه وضار بالنسبة للغة العربية وهو واقع لا يشبهه واقع على امتداد التاريخ العربي.
وذكر أن اللغة العربية قد احتكت بغيرها من لغات العالم قديماً وواجهتها تحديات من هذه اللغات، ولكنها كانت تثبت أمام هذه التحديات في كثير من الأحيان وتستوعبها ضمن شروط التثاقف المتوازن في أحيان أخرى.
ونبّه الدكتور الضبيب بأنه إذا كانت التحديات السابقة التي واجهتها العربية قد سببت كثيراً من القلق فإن من الواجب على العرب في الوقت الحاضر أن يشتد قلقهم وأن يزداد خوفهم على اللغة، لأن التحديات المعاصرة أكثر قوة وضرارة من التحديات القديمة.
وأشار إلى أن العولمة جاءت بسماتها الاستهلاكية الشرهة وبهيمنتها الإعلامية والمعلوماتية، فانبهر العرب بها وبما تحمله معها من وعود سرابية ففتحت لها الأبواب.
وأضاف أن تبعات العولمة من الغزو الثقافي وقبل الاقتصادي لم تكن اللغة بمنأى عن ذلك فاسنتشرت اللغة الأجنبية وأصبحت إجادتها واجبة في جميع ما يتصل بالحياة المعاصرة، وأصبحت الدعوة إلى تعلمها وتعليمها أكرم لدى العربي من الدعوة لإجادة لغته الأم، وأدخلت في بعض البلدان العربية في الصفوف الأولى للتعليم، وانتشرت في بعض البلاد العربية مدارس للغات الأجنبية.
وقال الضبيب: إن التحدي الكبير الذي تواجهه اللغة العربية في هذا العصر هو هذه الهزيمة النفسية التي تتلبس العربي المعاصر فتجعله يفقد الأمل في نفسه، ويشعر بالعجز التام أمام مشكلاته السياسية والاقتصادية ونحوها مما يجعل ذلك ينعكس على كثير من تصرفاته ومن ذلك عجزه عن استثمار مكامن القوة عنده ومنها اللغة كي ينفذ إلى حلول لهذه المشكلات.
ومع ذلك فإن ما نشاهده الآن من انجراف نحو اللغة الأجنبية دون تعقل بفعل منافع آنية، تصب بمجملها في خدمة قوى العولمة الأجنبية.
وطالب الدكتور الضبيب بأن توظف هذه اللغة الأجنبية لمصلحتنا بالطريقة التي تجعلنا نفيد منها ولا يصيب لغتنا الضرر أو الغبن.
ثم تطرق إلى العامية التي تضرب أطنابها في كل بلد عربي بقوله: إننا في البلاد العربية نعيش حالة أشبه ما تكون بالفوضى اللغوية، فالعامية تحاول أن تجذر وجودها في المشهدين الثقافي والإعلامي، واللغات الأجنبية أيضاً تكتسب كل يوم موقعاً في الحياة الاجتماعية والعلمية والإدارية والاقتصادية، واللغة الفصحى تتراجع إلى أماكن ضيقة محصورة ليس لها التأثير المطلوب لا في العلم ولا في الحياة الاجتماعية.
وأضاف: ان من التحديات الخطيرة في هذا العصر محاولات تفتيت الثقافة العربية وتقطيع أوصالها.
فقد برزت فكرة التعدد الثقافي التي ترى أن العرب شعوب تتعد ثقافاتها وأن من الخطأ الاعتقاد بأن العرب تجمعهم ثقافة واحدة.
وفكرة التعدد الثقافي لدى العرب ليست جديدة فقد استخدمتها فرنسا لإيهام الأمازيغ بتفردهم الثقافي عن العرب واستغلال لغتهم.
والغريب أننا نجد الآن دعوى التعدد الثقافي تتجدد بين العرب أنفسهم أصحاب القومية الواحدة فهناك من يرى أن العرب ذوو ثقافات متعددة وليست ثقافة واحدة، وهذا من شأنه أن تتعدد سمات هذه الثقافات وقد يستتبع ذلك على إعلاء شأن اللهجات المحلية لكل بلد واستبدالها بالفصحى.
وأمام هذه التحديات تساءل الدكتور الضبيب: ما العمل؟ وهل نكتفي بترديد الشجب والاستنكار أم نقوم باتخاذ خطوات بناءة نحو درء الأخطار والحفاظ على اللغة قبل أن تبتلعها التيارات المعاصرة.
وقال: إن الدفاع عن اللغة وحمايتها لا يكون عن طريق التوصيات العامة التي تصدرها بعض الجهات المعنية باللغة أو تخرج من قاعات المؤتمرات التي تعقد لهذا الغرض ثم تظل حبيسة الأدراج، وإنما تكون بتبني وسائل ناجعة أخرى تعيد للغة مكانتها في وجدان الجماهير.
وأضاف: إن الحاجة ماسة إلى وضع سياسة لغوية تهدف أول ما تهدف إلى تربية النشء على احترام اللغة, وتوعية المواطنين بأهميتها وإصدار التشريعات بجعلها متطلباً ضرورياً في التعليم والإعلام والعمل وجميع نواحي الحياة، وهذه السياسة المقترحة لا بد أن تكون صادرة عن قناعة ذاتية بأن النهضة المشرقة تبدأ باحترام الإنسان العربي لذاته أولاً، ومن أهم مكونات الذات هذه اللغة التي هي حصن ثقافته ووعاء فكره وعنوان نبوغه.
|