إن العناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته جزء من العناية الشاملة بالإسلام قرآناً وسنةً وسيرةً ودعوةً وأحكاماً، وهي رسالة عظيمة يقوم بها المخلصون من علماء الأمة وقادة الرأي فيها منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة، لأن هذه الرسالة الجليلة وسيلة من وسائل حفظ الدين الإسلامي الخاتم للأديان، هيّأ لها الله المخلصين من العلماء والمفكرين عبر الأزمنة المتعاقبة.
وما تزال جميع الأمم تعترف بأن علم الحديث، وطرق تدوينه، متناً وسنداً تُعَدُّ من الخصائص التي تتميز بها الأمة الإسلامية عن غيرها، حتى أكّد بعض الباحثين من غير المسلمين أنّ طرائق إثبات الأحاديث الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقوى وأصح من طرائق رواية وتدوين التوراة والإنجيل عند اليهود والنّصارى الذين حرّفوا في كتبهم وبدَّلوا، وأدخلوا فيها ما ليس من أصلها، دون ان يقوم علماؤهم بالتمحيص والتدقيق.
ولا شك أن مكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي في هذا العصر تجعل مسؤوليتها عظيمة في هذا الشأن، دون إغفال للدور الذي تقوم به بعض الدول الإسلامية الأخرى في مجالات خدمة السُّنة النبوية.
إنّ العناية بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرته ليست جديدة على ساحة العلم الشرعي في المملكة، وإنما كان عقد ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة في المدينة المنورة أخيراً استمراراً لمسيرة خدمة ورعاية هذين المصدرين المهمين من مصادر التشريع الإسلامي، وبياناً لمعالم تلك الرعاية لهما في مراكز العلم الشرعي في المملكة.
لقد كان عقد هذه الندوة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مهمّاً في هذه المرحلة التي كثرت فيها طعون الطاعنين، وهجمات المشكِّكين في سنة وسيرة سيّد المرسلين عليه الصلاة والسلام، من متعصبي اليهود والنصارى في العالم الغربي، ومن الملاحدة ومنحرفي الفكر والمعتقد في العالم كلِّه، ومن بعض كتَّاب المسلمين الذين انسلخوا من دينهم، وانضمُّوا إلى أعدائه قدْحاًَ وطعْناً وهجوماً وتشكيكاً.
ولقد سعدت بعقد هذه الندوة التي نوقش فيها تسعة عشر بحثاً، طرح فيها عدد من القضايا المهمة المتعلقة بالتدوين الصحيح للسنة والسيرة، وبالسلسلة الذهبية الإسلامية المتمثلة في علم الرجال ودراسة الأسانيد، وبأهمية دراسة السيرة النبوية والعناية بها في حياة المسلمين، وبدراسة السيرة النبوية من خلال كتب التفسير، وأهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين الذين تنشأ على أيديهم الأجيال، وغير ذلك من القضايا المهمة في هذا المجال.
إننا - نحن المسلمين - نواجه في هذا العصر حملات كثيرة ضد ديننا ومبادئنا تجاوزت الأمور العامة إلى أهم وأعز ما لدينا، كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت المواجهة القوية أمراً ضرورياً لحماية مصادر تشريعنا، ولردع ادّعاءات أهل الباطل التي تعتمد على أساليب التهويش والتشويش والتهميش، خاصة بعد سهولة الانتشار الإعلامي والشبكة العنكبوتية.
وإنني - بهذا الصّدد - لأقترح على المملكة ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية إنشاء (مجمع رعاية السنة) في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون منارة لخدمة السنة وسيرة صاحبها عليه الصلاة والسلام تحقيقاً، وطباعة، ومتابعة لكل ما يكتب فيها وعنها في أنحاء العالم، وليكون معلماً كبيراً إلى جانب (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف) فالمملكة جديرة بهذه الأعمال الجليلة، راجياً ان نسعد بافتتاحه قريباً.
إشارة
فلأنت عبدالله أنت رسوله
يرضيك أن تُدعى بذاك وتُذكرا |
|