منذ سنوات طويلة لايكاد يفوتني عدد من مجلة الدارة، بل إنني أعتبرها من المجلات الفصلية القليلة التي أجد فيها متعة لا أجدها في مجلة تماثلها، ومن المؤكد أن هناك عدة أسباب وليس سبباً واحداً، يجعل هذه المجلة تظل ممتعة خصوصاً لمن لديه اهتمام بتاريخ بلادنا، وكان من المفروض أن تباع هذه المجلة بأضعاف سعرها إذا قورنت ببعض المجلات الفصلية. والمفرح حقيقة أن سعر المجلة خارج المملكة أرخص من سعرها في المملكة، ما يجعلها بوابة واسعة يدخل منها القارئ الباحث عن معلومة من الجزيرة العربية من دون عوائق مادية تحول غالباً بين القارئ العادي أو الباحث المحدود الدخل، والتواصل مع أي مطبوعة سواء كانت صادرة من بلاده أو مرسلة إليه من الخارج!
إن المجلات الفصلية في منزلي تحتل جداراً كاملاً، لا ينافسها في المساحة إلا الجدار الذي يحتله فيض من الكتب الخاصة بالمملكة وبالجزيرة العربية، فإلى جانب قراءة الرواية والتاريخ الاجتماعي، لديَّ ولع خاص بقراءة كل ما يخص الجزيرة العربية وخصوصاً ما يخص بلادنا، ولا أدري هل لهذا سبب باشتغالي لسنوات طويلة محرراً للشؤون المحلية أو لنشأتي في الأحياء الشعبية لسنوات طويلة في المدينة المنورة ثم في الرياض، لعل كل هذه الأسباب جعلتني مولعاً بكل ما يمت للصحراء وطقسها وعاداتها وقبل ذلك ناسها، وقد ساعدتني أعداد مجلة الدارة ثم مجلات تراث الإماراتية ودراسات الخليج والجزيرة العربية والعلوم الاجتماعية الكويتية والتراث الشعبي العراقية وغيرها من المجلات على أن أكون ملماً بدقائق الحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة، لكن (الدارة) تظل الأكثر رشاقة في اختيار الموضوعات خصوصاً أنه قد أضيف إليها منذ سنوات قليلة الإخراج الذي يتواءم مع رسالتها!
وما أرجوه حقيقة ان يجد القارئ أعداد المجلة في منافذ أكثر.. وأن تصدر طبعة جديدة من الأعداد السابقة في مجلدات يحتوي كل مجلد على أربعة أعداد ليسهل اقتناؤها والاستفادة منها مستقبلاً. وأترك الدارة لأدخل إلى البيت الكبير الذي تصدر منه وهو دارة الملك عبدالعزيز لأقول بصراحة إن الدارة منذ سنوات قليلة بدأت تخطو خطوات جيدة على طريق نشر واقتناء كل ما يخص المملكة وأرض الجزيرة العربية من كل مكان، وهي على ما علمت من بعض الأصدقاء، تتلقى دعماً من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، الذي كان سَبَّاقاً في دعم وتشجيع المشاريع الثقافية كافة، ومن هذا المنطلق كان دعمه للدارة، التي تمثل لنا بيتاً تسكن فيه وتتحرك سير وحكايات وصور وخرائط وسلوكيات هذه الأرض الطيبة.. وهي دارة لا شبيه لها في أي دولة خليجية بالمحتوى وبالمشروعات التي لاتضم مجلة الدارة المتميزة فقط، ولكنها تمدنا بعشرات الكتب المهمة، منها المحقق والمخطوط والمطبوع والمترجم من الدراسات والرسائل الجامعية، التي تؤرخ أو تدرس أو تحلل كل ما على وفوق هذه الأرض الطيبة، مع دقة في التحقيق والمراجعة ورشاقة في الطباعة والإخراج.
لقد أثلج صدري فوز دارة الملك عبدالعزيز بجائزة الشارقة لأفضل ناشر لعام 2003م، وهي شهادة لم ينلها للأسف ناشر سعودي من القطاع الخاص، ونالتها دار حكومية وهو ما ينفي القول بأن كل ما يصدر عن الحكومات والهيئات الرسمية مكتوب له الفشل.. فإذا كان هناك عاشق للحرف والكلمة فسوف تنجح وتتألق مشروعاته. هذه شهادة قارئ يشتري ومنذ البداية أغلب ما تصدره (الدارة) من المطبوعات، لسبب بسيط هو أنَّ لديها ما يُقرأ ويدفع القارئ -مثلي على الأقل- لأن يخرج محفظته ويدفع قيمة مثل هذه المطبوعات.. إن خلف هذا التميز الجديد -القديم للدارة رجل أعرفه من حرفه ومن إصداراته فلم يسعفني الحظ أو الوقت بأن ألتقيه، لكن الشهادة يجب أن تقال، فمثل هذه الشهادة هي الوقود الذي تتغذى عليه هذه المطبوعات، لكي تواصل العمل والنجاح، في جو طارد لكل حرف جاد ومشرق ومفيد، خالياً من الصدور والسيقان والأرجل والشعر الحرير.. وهي مشهيات باتت تغزونا في كل مكان في المكتب والمقهى والمنزل والشارع، إلا الكتاب الجاد والمجلة الجادة والصحيفة الجادة، هذه أشياء يجب إذا كنت تحبها أن تذهب إليها، وإذا لم تذهب فلابد أن تقوم جهة ما بإيصالها إلى كل مكان وبأقل الأثمان.. فهذا هو قدر الثقافة والعاملين عليها.. تحية للدكتور إبراهيم عبدالله السماري بقدر ما أَعطَى وما سيُعطي!
فاكس 4533173 |