ساقتني أقداري إلى صحبة الشاشة الصغيرة بأول الليل، أقلب ناظري بين الفضائيات العربية، حتى استوقفتني قناة (المحور) وبرنامجها (حوارات) وكان حوار الحوارات يدور كالعادة بين اثنين من الضيوف المتشاكسين في الرأي أحدهما هو الكاتب الصحفي صبري سعيد، الذي أخذ ينحي على المقاومة الفلسطينية باللائمة، متهماً إياها بأنها هي التي عقدت الأمور حتى وصلت إلى الطريق المسدود، داعياً الفصائل إلى الاقتصار على الكفاح (السياسي) في مواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية.
والكاتب بذلك يصادر المحاولة الوحيدة والمكلفة للشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقه في الحياة، تحت دعوى أن القضية لن تحل إلا عبر المفاوضات، وأن المفاوضات لن تنعقد إلا بعد أن يضع الفلسطينيون - فقط - السلاح، ولو كان حجراً في يد طفل! ولقد اشار ضيف البرنامج إلى الفرص الضائعة - التي أضاعها العرب والفلسطينيون - ونحن معه - لكنه لم يشر (مثلاً) إلى أن الفلسطينيين قد جنحوا للسلم أكثر من مرة طبقاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار بين الجانبين، ولكن لا المفاوضات انتظمت ولا أعرب الإسرائيليون عن أي رغبة في السلام - بل لقد كانوا هم غالباً الطرف الذي يبدأ بخرق الهدنة.
ولم يذكر الكاتب أيضاً أن إسرائيل كانت السبب في اندلاع شرارة الانتفاضة الأخيرة حين اقتحم شارون - خارج كرسي الرئاسة - منذ نحو أربع سنوات المسجد الأقصى مدججاً بجيش هائل من الجنود في حركة استفزاز غبية، لا لمشاعر الفلسطينيين فحسب بل لمشاعر كل مسلمي العالم.
وإذا كان لابد من الاعتراف بأن الفلسطينيين لا يلقون دعماً عربياً يتناسب وقدر ما يواجهون من أهوال، وأن المقاومة هي الأسلوب الوحيد الذي أثبت جدواه في مواجهة آلة عسكرية لا إنسانية، تهدم البيوت على رؤوس أصحابها وتزهق الأرواح بلا جريرة، وتقترف بدم بارد كل كبيرة.
وأن هذه المقاومة تكتسب شرعيتها من قرار الأمم المتحدة رقم 3236 الذي أعطى الفلسطينيين الحق صراحة في الدفاع عن أراضيهم المغتصبة.. فلماذا.. بعد كل هذا نثبط همم هؤلاء الذين ما عاد أمامهم إلا أن يعتركوا مع عدو سد في وجوههم كل سبل السلام.. بل كل سبل العيش والحياة!!
وما أن انتهى حوار المحور حتى رحت أقلب الأزرة وفي نفسي غصة من تلك المنهجيات التي تطرح بلسان عربي فتجعلك - تفرك عينيك وتراجع مسمعيك - لعلك أخطأت جنس صاحب الرأي والمعسكر الذي إليه ينتمي.
وكانت وقفتي الثانية مع محطة دريم 2 وبرنامج (الحقيقة) ورغم ازدحام البرنامج بالضيوف كان الحوارأكثر هدوءاً من حوار (المحور) رغم أنه كان في دقائقه الأخيرة التي عادة ما تستعر فيها حرارة النقاش في مثل هذه البرامج الحوارية العربية - واسترعى انتباهي أحد الضيوف - الأستاذ نبيل - حين قرر أن الإصلاح لا يأتي إلا من الخارج، أي من تأثير حضارة في حضارة، وهي - في نظري - كلمة حق يراد بها باطل، فالعرب الذين يعافون التغيير من الخارج إنما يعافونه لكونه مفروضاً لا لكونه - على الاطلاق - مرفوضاً، ولا يمكن لأحد أن يدعي - مهما ازدهرت حضارته - أنه في غنى عن حضارة الآخر وثقافته، لكن ليس عن طريق القسر وإنما عن طريق إطلاق حرية الانتقاء.
وقفة.. ودعاء:
ملايين القلوب التي أصابها فضلكم العميم وأسرها حبكم الحميم يا سلطان الخير والمروءة، تلهج اليوم ياسيدي بالدعاء.. لكم بعاجل الشفاء، والعود الحميد إلى ثغركم فما أحوج الوطن إليك عضداً لأخويك.
|