انفضُّ الجمعُ...
ثمَّة (متروكات) خلفه، المكان يعجُّ...
بقايارائحة العطر تعبِّق المكان...
بقايا دفء أنفاس تداخلت بأثر الصدور التي زفرتها...
صدى الأصوات التي تصادمت في معمعة نقاش طال...
أوراق محبَّرة تشكِّل وجه الطاولة المستطيلة في فوضوية متناهية..
قصاصات أو بعض من الورق غير منظمة زخرفت بحركات أسنَّة الأقلام:
استفهام، دهشة، سخرية، جمل عاجلة برأي غير منظم، أو لوم غير مرتبّ، بصمت جرت بين الأيدي، واستقرت تحت المقاعد، أو أهملت فوق الطاولة.
كؤوس الماء الكبيرة, والشَّاي الصغيرة, والقهوة الأصغر، بعضها فارغ، وبعضها مليء، وبعضها فيه شيء من بقايا السوائل أو لونها...
رائحة البن اليمني المطحون، المحمَّر، المغلي تعبِّق المكان... بذور التَّمر، ولفافات الحلوى، تعبث بالزوايا الصغيرة في الأواني على الطاولة بجوار المقاعد الفارهة...
باب واسع أغلق...
سرُّ كبير في تلافيف الصَّمت، سؤال أكبر في تجويف الأصداء والآثار...
الجمع انفضَّ...
العامل اقتحم بأدوات التَّنظيف المكان!!
لحظات ما لبث أن غادر،
امتدَّت يده إلى أزرَّة النور فوق الحائط الجانبي...
لحظات وسكن المكان بما فيه من تفاصيل: المقاعد، الطاولات، الدَّواليب، أجهزة الهاتف, وأطباق البقايا فوق الطاولات الصغيرة, أكوام الورق، الأقلام، المكتب الفخم في صدر المكان، الستارة الفارهة والممتدة إلى الأرض تدسُّ وجه الأرض من خلفها، المكان باتساعه، وأشياء غير مرئية باقية من الجمع...
أغلق الحارس أبواب المكان...
أحكم الإغلاق...
ثمَّة استفهام: الجمع انفضَّ، ذهبت قَدما كلُّ فرد إلى حيث سبيله، الأوراق التي حُبِّرت، والدوائر البلاستيكية اللاَّمعة التي حصدت الأصوات، والأخرى السَّوداء المربعة التي حصدت الحروف، وأجهزة الحاسوب التي انطفأت حركتها، وغابت في غياهب ظلام الحجرة وصمتها... ما الذي تركته في عجينة الصدَّى والأصداء, والرائحة، والبقايا؟...
وثمَّة ما يدعو للانضمام إلى قافلة السؤال: وما الذي ذهب مع الأقدام وتفرَّق، وتشتَّت، وتمزّق، ولا يعد يلتحم في عجينة البقاء من كلَّ ذلك؟!
الحارس ذهب يلقي نظرة اطمئنان
إلى أنَّ ثمَّة قدم لواحد لا تتحركّ في المكان!!
|