لاشك أن الفضيحة القذرة التي مارسها الجيش الأمريكي في سجن (أبوغريب) بالعراق.. من إذلال وإهانة، وتعذيب للسجناء العراقيين وشق لثيابهم من الخلف.. والتبول عليهم.. كل هذه المعاملات القذرة.. ستبقى وصمة عار في تاريخ الغزو الأمريكي واحتلاله العراق.. وستبقى السمعة الأمريكية ملطخة بما يَخْفضُ رأسها عند كل حديثٍ وادعاءٍ لها بالديمقراطية، وحرية الإنسان؛ وحق الشعوب أن تحكم نفسها بنفسها..
وإذا كانت الإدارة الأمريكية ادّعت أن ما فعله جيشها بالسجناء العراقيين هو عمل قبيح.. ولا يمثل القيم الأمريكية.. وتريد من العرب أن يصدقوها بأنها لم تعلم بما كان يفعله جيشها إلا بعد نشر الصور الفاضحة.. ونحن العرب مستعدون للتصديق بأن هذه الأفعال والجرائم المنكرة ليست من قيم الشعب الأمريكي غير (الملوث) بالفكر الصهيوني..
ولكن.. وفي مقابل ذلك لماذا حملت الإدارة الأمريكية (صليبها) على ظهرها بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م وتَزَنَّرتْ بكل ما لديها من قوة للبطش والدمار.. وصوبته تجاه العرب والمسلمين.. ولم تقبل ولم تصدق إدانة العرب والمسلمين لتلك التفجيرات والأعمال الإرهابية.. وانها مخالفة لمثلنا العليا وقيمنا الخالدة.. بل أصرت وما زالت تتهم الإسلام ومعتنقيه بإجازة الإرهاب وتأييده حتى اليوم..!! ومصيبتها ومَنْ يعيش فكرَها أنها لا تفرق بين نضال الشعوب لاستقلالها واسترداد حقوقها المغتصبة من الاحتلال.. وبين الإرهاب الذي لا يمارس قضية مشروعة.. وإنما هو متأثر بفكر منحرف لا يمثل نسبة تُذكر من عدد السكان التي تخالف توجهه.. بل وتحاربه بدون هوادة.. كما هي حال الإرهاب في المملكة وعدد من الدول العربية والإسلامية.
***
ان أمريكا تُدرك؛ وان كانت لا تريد أن تعترف.. بأن كل متاعب الشرق الأوسط؛ ومصائبه؛ وتهديده للسلام العالمي.. ناتجة عن تأييدها للعدوان الإسرائيلي وتشريده للشعب الفلسطيني من أرضه التي وجد فيها قبل (5000) سنة.. وقبل خروج بني إسرائيل من مصر وعبوديتهم لفرعون..!!
***
ولو أن أمريكا أرادت عافية للشرق الأوسط.. وشفاء لأمراضه التي زرعتها فيه بالبذرة الصهيونية الخبيثة.. وخاصة بعد ما رأت آثار هذه البذرة المدمرة - لأمكنها أن تكسب حب وصداقة (ملياراً ونصف المليار) من العرب والمسلمين في العالم؛ وعندهم من الخير والنفع المتبادل مع الآخر ما لا يوجد عند الصهيونية العنصرية عشر معشاره..!!
وها هي أمريكا تحصد في النهاية؛ ما زرعته يداها..
ولن تكون آخر انتكاساتها.. وفشلها في تطويع الشرق الإسلامي وفق معاييرها التي تريد فرضها على العالم الإسلامي بخاصة - هو ما انتجته تلك الفضائح الإجرامية في سجن (أبوغريب) التي هزت العالم في شرقه وغربه.. وفي شماله وجنوبه.. بل سوف تحاول مسح هذه الفضيحة من أذهان العالم الإسلامي خاصة؛ بالتأسفات والاعتذارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع..! وهي؛ في نفس الوقت؛ ماضية في غيها وطغيانها وتجبرها على من لا يملك ما تملكه من قوى المادة الحياتية.. وهي في نشوة قوتها تنسى أن الله أقوى.. من كل قوي.
ومن قوته جل وعلا أن يجعل من الضعف - إذا شاء - قوة، ومن القلة كثرة بالبركة.. وها هي المقاومة العراقية.. وقبلها المقاومة الفلسطينية لم تستطع قوة أقوى الأقوياء في هذه الأيام أن تكسرها أو تهزمها.. بل هي التي على وشك الانهزام بإذن الله.
***
إن الحقيقة والقناعة بما سيئول اليه العدوان الأمريكي في العراق - هو في نظري؛ ونظر كل مسلم يثق بنصر الله لعباده المؤمن - ان هذه الحرب وما نتج عنها ربما تكون هي (النهاية) لطغيان القوة على الحق.. بإذن الله.
وما يؤلمنا ويخجلنا أن نجد من بعض الكتّاب العرب من يعيب وينعى على الإعلام العربي اهتمامه بهذه الفضيحة الأمريكية والتركيز عليها.. ويلتمس لأمريكا الأعذار.. ويطالب العرب بأن يركزوا على (لصوص النفط مقابل الغذاء للعراقيين.. الذين سرقوا أموال النفط.. ولم يطالب الإعلام العربي بمحاكمتهم وهم معروفون بأسمائهم) إلخ.. قبل أن يستنكروا ما فعله الجيش الأمريكي بالسجناء..!
تروا هل هذه عمالة فاضحة يقوم بها كاتب عربي أم هو جهل أخلاقي يقدِّم الاهتمام (بالمادة) الدولارية.. على (الشرف الأخلاقي).
إن أصواتاً عربية مشبوهة، إن لم تكن مفضوحة، تتولى الدفاع عن أمريكا في صحف عربية عديدة.. تدل على أن هؤلاء إما أن يكونوا عملاء يقبضون مقابل عمالتهم.. أو انهم من الدين الإسلامي؛ وأخلاقه، وقيمه العليا على (جَرْف)! أو هم على شفا جرف هار..؟!
***
وبعد:
فإن قانون الحق هو الغالب - في النهاية - على قانون الباطل المدعوم والمزركش بأساليب القوة الباطشة {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.
|