الحمد لله الذي قال في محكم كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ}.. الخ الآية. وصلى الله وسلم على محمد القائل: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من تراب وخلق له زوجته من ضلعه الأيسر ليسكن إليها ويستمتع بها بحياته التي أرادها الله لهما ثم جعل من نسلهما هذه الذرية حتى بلغت أرجاء المعمورة وعمقت الآفاق، وهذا الكون العظيم لحكمة بالغة أرادها الله وهي عبادته وحده لا شريك له، ثم ان آدم عليه السلام، أخذت عنه ذريته من بعده تلك السنة وجبلهم الله تعالى عليها وهي حب التزاوج بين كل من الطرفين الذكر والأنثى حتى تناسلت تلك الأمم أجيال أثر أجيال، ولنا في رسول البشرية صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة إذ إنه تزوج صلى الله عليه وسلم وكذلك زوج ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب ابن عمه، ولم يذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنَّب أو أنكر على أحد تزوج بل قال صلى الله عليه وسلم: مسكين، مسكين، مسكين من لا زوجة له، مسكينة، مسكينة، مسكينة من لا زوج لها) كررها ثلاثاً فهذا الحديث يدلنا دلالة واضحة على حب التزاوج وأن الدين الإسلامي الحنيف أمر بذلك.
ولكننا في هذا الزمان أعني بعضاً من الناس هداهم الله تركوا مبادئ وعادات الإسلام وما أمر به محمد صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك راجع إلى ضعف الإيمان في قلوبهم، فالشباب في هذا الزمان أليس لهم رغبة في الزواج كما كان للشباب والرجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بلى والله ولكن كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يزوجون من جاء إليهم ورضوه بصداق بسيط للغاية وليس قصدهم من هذا الصداق المغالاة أو الدنيا وإنما اتباع للسنة النبوية المطهرة، لأنها تأمر بالصداق مقابل ما يستمتع به الرجل من المرأة والشريعة المطهرة تنهي عن زواج المبادلة بدون صداق بين الطرفين.
لكن في هذا الزمان المرأة الشريفة الطاهرة الحسب والنسب أعدها بعض الناس عرضاً للتجارة وليس هذا في ودها أو راجع إلى مشورتها لا بل رغماً عن أنفها، فإذا جاء إنسان كبير في السن عمره يقارب الستين سنة أو السبعين سنة ولكن بشرط أن تكون نقوده (أي ما يدفعه للصداق) عشرين ألفاً فإنهم يزوجونه لأجل ماله وليس لأجل الحياة الزوجية التي سوف يعيشها مع هذه الفتاة ثم تزوج منه تلك الفتاة، ولا تستشار إن كانت بكراً أو ثيباً وإنما هم الآباء يأخذون تلك النقود ويتركون مصلحة البنت تذهب هباءً منثوراً ومن ثم نرى هؤلاء الذين يعملون تلك الأعمال قد تركوا سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يقول (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) ولم يقل من ترضون منه عشرين ألفاً ولو كان شيخاً كبيراً أو جاهاً عظيماً وهذا عزيزي القارئ ما سبب أن كثيراً من الشباب اليوم يسافرون إلى الخارج ويتزوجون من هناك بصداق أقل وكلفة أخف.
نرجو من الله سبحانه وتعالى ثم ممن يعملون أو يسيرون على هذا النهج غير المرضي للجميع أن يتركوا هذه العادة الجاهلية وأن يتلافوا الأمر قبل أن يستفحل عليهم، ولقد قام المجتمع الإسلامي على الحب والتآلف والتعاون، ولا يفوتني أن أشكر العاملين على محو هذا الشيء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ محمد الحركان وزير العدل الذي أصدر أمره إلى المحاكم بوجوب استشارة المرأة قبل زواجها بحيث لا يحصل سوء تفاهم بين الطرفين.
|