في مثل هذا اليوم 21 ربيع الأول 923هـ تم شنق سلطان المماليك طومان باي على باب زويلة في القاهرة، وبموته انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.
وقد شهدت مصر ميلاد دولة المماليك سنة 647هـ (1250م)، حيث أبلى فرسانها في جهادهم ضد حملة لويس التاسع بلاءً حسناً، حتى مُنيت الحملة بالفشل، وترتَّب على هذا النصر المبين أن علت مكانة فرسان المماليك، واكتسب المماليك شرعيتهم في الحكم وتقدير الناس لهم باعتبارهم حماة الإسلام والمدافعين عن أهله وأرضه، وظلت دولتهم تقوم بهذا الدور في الفترة الأولى من عهدها المعروفة باسم (دولة المماليك البحرية)، حتى كان لهم شرف إخراج الوجود الصليبي من الشام، والقضاء على خطر المغول. ثم تابع سلاطين المماليك في الفترة الثانية المعروفة باسم (دولة المماليك البرجية) القيام بهذا الدور في الدفاع عن أرض الإسلام ضد هجمات الصليبيين الذين نقلوا نشاطهم العسكري إلى البحر المتوسط واتخذوا من قبرص ورودس مركزًا لنشاطهم.
ثم أصاب دولة المماليك ما يصيب الدول في أواخر عهدها من ضعف ووهن، وكثرت فيها المنازعات بين قادتها وأمرائها، وتهدَّدها خطر البرتغاليين في الخليج العربي بعد أن تنامت قوتهم بعد اكتشافهم طريق (الرجاء الصالح).
هذا، في الوقت الذي تصاعدت فيه قوة الدولة العثمانية الفتية، وتطلعت إلى المشرق الإسلامي لتضمه إلى سلطانها بعد أن نجحت في بسط نفوذها وتوسيع دولتها في أوروبا.
هزيمة الغوري
في مرج دابق
ساءت العلاقة بين العثمانيين والمماليك، وفشلت محاولات الغوري في عقد الصلح مع السلطان العثماني (سليم الأول) وإبرام معاهدة للسلام، فاحتكما إلى السيف، والتقى الفريقان عند (مرج دابق) بالقرب من حلب في 25 رجب 922هـ (24 من أغسطس 1516م).
وأبدى المماليك في هذه المعركة ضروباً من الشجاعة والبسالة، ولكن سرعان ما دبَّ الخلاف بين فرق المماليك المحاربة، وانحاز بعضها إلى الجيش العثماني بقيادة (خايربك). وسرت إشاعة أن الغوري سقط قتيلاً، فخارت عزائمهم وفرُّوا، ونادى الغوري في جنوده بالثبات والصمود، وسقط عن فرسه جثة هامدة، وتحقق للعثمانيين النصر الذي كان بداية لأن يستكمل سليم الأول فتوحاته في الشام، وأن يستولي على مدنه واحدة بعد أخرى.
طومان باي سلطاناً
اتفقت كلمة الأمراء في مصر على اختيار (طومان باي) للسلطنة، فأخذ يستعد لمقاومة العثمانيين، ولكنه اصطدم بتخاذل المماليك، في الوقت الذي أرسل فيه السلطان سليم الأول رسالة إلى طومان باي يعرض عليه الصلح ويبقيه على حكم مصر في مقابل أن يقر بتبعيته للدولة العثمانية، غير أن هذه المساعي السلمية لم تكلل بالنجاح.
واضطر طومان باي إلى مواصلة الاستعداد للقتال، فخرج إلى (الريدانية) وتحصَّن بها، وحين علم بتوغُّل العثمانيين في البلاد المصرية حاول جاهداً أن يقنع أمراءه بمباغتة العثمانيين عند الصالحية وهم في حالة تعب وإعياء بعد عبورهم الصحراء، وتحاشت قوات العثمانيين مواجهة المماليك عند الريدانية عندما علمت تحصيناتها، واتجهت صوب القاهرة، فلحق بهم طومان باي.
والتحم الفريقان في معركة هائلة في 29 من ذي الحجة 922هـ (23 يناير 1517م)، وأبلى طومان باي في المعركة بلاءً حسناً، وكثر القتلى بين الفريقين، غير أن العثمانيين حملوا على المماليك حملة قوية، وانسحب طومان باي ومَن بقي معه إلى نواحي الفسطاط، ودخلت طلائع الجيش العثماني مدينة القاهرة، وأخذوا يتعقَّبون جنود المماليك في كل مكان.
سليم الأول في القاهرة
وفي يوم الاثنين الموافق 3 محرم 923هـ (26 يناير 1517م) دخل سليم الأول مدينة القاهرة في موكب حافل، يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة، وقد أحاطت به جنوده الذين امتلأت بهم شوارع القاهرة، يحملون الرايات الحمراء شعار الدولة العثمانية، وكتب على بعضها {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}، وفي بعضها {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}.
ولم يكد يهنأ سليم الأول بهذا الفتح حتى باغته طومان باي في (بولاق)؛ وذلك في اليوم الخامس من المحرم، واشترك معه المصريون في هذه الحملة المفاجئة، واستمرت مقاومة المماليك أربعة أيام وليالٍ، وظهروا فيها على العثمانيين، غير أن هذا الفوز لم يحسم المعركة لصالح طومان باي؛ إذ سرعان ما لجأ الجنود العثمانيون إلى سلاح البنادق، وأمطروا به من فوق المآذن الأهالي والمماليك، فأجبروهم على الفرار، وفرَّ طومان باي إلى جنوب القاهرة.
أرسل طومان باي إلى سليم الأول يفاوضه في الصلح، فاستجاب له السلطان العثماني، وكتب له كتاباً بهذا، وبعث به مع وفد من عنده إلى طومان باي، لكن الوفد تعرَّض لهجوم من بعض المماليك وقتل بعض رجاله، فحنق السلطان سليم الأول وخرج لقتال طومان باي بنفسه، والتقى الجيشان قرب قرية (الوردان) بالجيزة في 9 ربيع الأول 923 هـ (1 أبريل 1517م)؛ حيث دارت معركة حامية استمرت يومين وانتهت بهزيمة طومان باي وفراره إلى البحيرة.
على باب زويلة
لجأ طومان باي إلى أحد رؤساء الأعراب بإقليم البحيرة طالباً منه العون والحماية، فأحسن استقباله في بادئ الأمر، ثم وشى به إلى السلطان سليم الأول، فأرسل قوة للقبض عليه، فأتت به إليه، وأخذ السلطان يتأمله معجباً بشجاعته، ثم عاتبه واتهمه بقتل رسله الذين أرسلهم لمفاوضته في الصلح،فنفى طومان باي التهمة عن نفسه، وكاد السلطان العثماني أن يعفو عنه، ولكن الوشاة حرَّضوا السلطان على قتله بحجة أن لا بقاء لملكه في مصر ما دام طومان باي على قيد الحياة، وتم قتله شنقاً على باب زويلة.
|