Monday 10th May,200411547العددالأثنين 21 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يا فارس المنبر يا فارس المنبر
د. صالح بن عبدالله المحطب/ جامعة القصيم

إن لخطب المناسبات الطارئة على واقع الأمة أثراً بالغاً وعميقاً في توعية المجتمعات والكشف عن حقيقة عدوها، وما يضمره لها من مكر وكيد
{قد بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} وخاصة إذا تمثل ذلك في التصفية الجسدية لرموزها ومشاهير قادتها، وكان على مشهد ومسمع من عالم يدعي الحضارة ويزعم الدفاع عن حقوق الإنسان وهو يشن الحرب تلو الحرب على شعوب آمنة مستقرة على أراضيها وحدودها المعترف بها دوليا بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل تارة - وهي حجة داحضة بان كذبها للعالم - وحجة القضاء على الإرهاب تارة أخرى ويعنون به الإسلام أو العملاق الذي بدأ يصحو كما يعبرون .
وقد شهدت صلاة الجمعة قبل الماضية مع الشيخ أحمد الشاوي أحد خطباء جوامع بريدة وكانت الخطبة - كما هي في أغلب مساجد المملكة بما في ذلك الحرمين الشريفين حرسهما الله - عن الحدث الجلل والمصيبة العظيمة التي أصيبت بها الأمة الإسلامية عامة - وهي اغتيال اليهود وقتلهم لفضيلة الشيخ (أحمد ياسين) رحمه الله- زعيم منظمة (حماس) ومؤسسها ذلك الرجل الذي أخاف اليهود وأرعبهم منذ احتلالهم (فلسطين) بغياً وعدواناً، رغم وضعه الصحي وما يعانيه من شلل لجميع جسده.
والذي أعجبني في الموضوع ودعاني للكتابة فيه الطرح المتميز في علاج الخطيب للحدث والطريقة الفذة في التعامل معه ومع ما يعيشه الناس جميعا من غليان واحتقان وقد وفق الشيخ كثيرا إلى توظيفه فيما يخدم الحدث حقيقة ويعود بالنفع والفائدة على الأمة والمجتمع سواء في هدوئه أثناء الطرح أو في المادة المطروحة - كما سيأتي - وذلك قبل الحديث عن العبر والعظات المترتبة على الحدث نفسه ومن قام به، ومن بارك تنفيذه، ومن سكت عنه وأقره وإن شجب واستنكر وذرف دموع التماسيح.
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} ،{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} .
فقد تحدث الخطيب في الخطبة الأولى كاملة - وبأسلوب هادئ خال من الانفعال والتشنج ودون استثارة غضب السامعين وانفعالهم - تحدث عن المبادئ والقيم باعتبارها أسس وثوابت لهذا الدين، لا يمكن المساس بها ولا المساومة عليها بحال وإنما يجب الحفاظ عليها وحراستها ونشرها مهما كلف ذلك من ثمن.
واعتبار المبادئ والقيم بحالها مجردة عن الأشخاص مهما كانوا عليه من صدق وإخلاص وتفان في سبيل خدمة تلك المبادئ وأن الأشخاص يموتون أو يقتلون لتحيا المبادئ والقيم ويخلفهم غيرهم ممن هم أكثر عددا وأشد بأسا لأن الأمة الإسلامية أمة ولود تنجب الأبطال الذين يحمون بيضتها ويذودون عن حماها وبين مفهوم النصر الحقيقي وأنه قد يكون بما ظاهره الهزيمة ضاربا على ذلك عددا من الأمثلة التوضيحية في أوقات مختلفة.
وفي الخطبة الثانية تحدث عن بطل المناسبة وفارسها المغوار الشيخ أحمد ياسين رحمه الله مشيرا إلى الدروس والعبر في الموضوع وعلى رأسها وضع الشيخ الصحي المتردي وأنه لم يقعد به عن خدمة دينه ومجتمعه وأمته وأن المقعد حقيقة من قعدت به همته عن الواجبات ومعالي الأمور وإن دب بأطرافه على الأرض وأكل وشرب وجمع المال وأنجب الأولاد وتبوأ المناصب الرفيعة وحاز الجاه وأحاط به الأتباع.
وإن الأعداء مهما بلغت قوتهم يخيفهم الرجل الصادق الجاد الذي يعي ما عليه أعداؤه من ضعف وهوان بحكم انحرافهم عن الصراط المستقيم الذي منَّ الله عليه بسلوكه وشرفه بخدمته والدعوة إليه ولا يخيفهم الرجل الخانع الذليل الذي يركن إليهم ويرى فيهم نصرته وحمايته وإن تظاهر بخلاف ذلك وأنه كلما اقترب منهم داسواه بأقدامهم وزادوا في ذلته وإخافته وجعلوا منه مطية لتنفيذ أهدافهم عند بني جنسه وإذا استهلكوه وأدى الدور المنوط به عندهم أو قلاه الناس وملوا سماع كلامه وكرهوا رؤيته ركله الأعداء بأقدامهم ونبذوه نبذ النواة ذليلا صاغرا فخسر الدنيا والآخرة نسأل الله العافية والسلامة، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وختاما أقول ما أحوج مجتمعنا اليوم إلى هذه الفئة الواعية من الخطباء الذين يجمعون ولا يفرقون، ويخاطبون الناس بحكمة وروية، ويربطون بينهم وبين ولاة أمرهم من علماء وأمراء، ويتعاملون مع الأحداث بما هو لائق بها، ولا يحملونها أكثر مما تتحمل، ولا يسيئون الظن بالآخرين ما لم تقم دلائل وقرائن تؤيدهم.
وبالمقابل أيضا لا يهملون الأحداث ولا يستخفون بالناس حيالها وينقلون الحديث إلى جوانب أخرى هامشية ليس من الواقع المنتظر الحديث عنها ، لأن المجتمعات اليوم بحكم ما تعيشه من تقنيات وفضائيات قد وعت ما يدور حولها لكنه التبس الأمر عليها واختلط الحق بالباطل واستغل التعتيم الإعلامي عليها في تضليلها وإملاء ما يريده الأعداء منها، فخير لنا الوضوح معها وبيان الخطأ من الصواب فيما يحيط بها من أحداث، وما يجد لها من مناسبات.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved