لا يُوجد مسلم عاقل أريب لبيب يقطن على أرض هذه البقعة المباركة لم يألم أشد الألم لِما حدث ويحدث من أخطار جِسام وقعت بين ظهرانينا، ومصادر هذا الألم عديدة فهي:
أولاً: ليست ذات مسوغات مقنعة كما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي طال بها الكرب وازداد فيها الإحباط وضاقت عليها الدنيا بما رحبت فاستخدمت آخر الدواء وهي أجسادها الطاهرة من أجل إخافة المحتل وإثبات الذات لإنقاذ شعبهم من الذل والدونية وضرورة تحرير الاقصى بدماء ابنائه، وأيضاً ليست مثل الاراضي العراقية التي فُوجئت بين ليلة وضحاها باحتلال مكثف اعترف هو ذاته بهذا الاحتلال ولم ينمقه كسابق عهود الاستقرار التي اضفت على ذاتها القابا تتسم بالشرعية الشكلية المصطنعة، لاسيما وهذا الاحتلال دون دافع شرعي بل هو تخبط أعمى دفع المحتل ثمناً باهظاً له ومازال يدفع.
ثانياً: ولكن ما دورنا لايقاف هذا المد المؤلم لنا جميعا، فالأيدي المنفذة للأسف هم أبناء جلدتنا واقاربنا، ويعلم الله كم نشعر تجاههم بعميق الألم ونشارك ذويهم تفطّر القلوب وجراح الافئدة، ولو كانت قافية الخليل تسعفني في كلّ آنٍ لشارك قلمي دمعي بنظم قصيدة على لسان أم المغرر به الذي تمزق إرباً إرباً الى حد جمع اشلائه في كيس صدّ عنه البصرُ منعاً للمزيد من الاحزان، لاسيما وأنّ هذا العمل الجنوني ليس فقط عديم الفائدة وانما هو عظيم الخطيئة.
ثالثاً: ألمْ يلاحظ هؤلاء وأمثالهم الذين يسيرون على غير هدى وصراط مستقيم فهم سعيدون ومتجهزون لنيْل جائزة الجهاد لانهم سيبيدون القوات الاجنبية التي احتلت جزيرة العرب، فهل فات هؤلاء انه الى الان ومنذ بدأت هذه الاعمال الدموية لم يسقط فيها واحد من الذين يدّعون الرغبة في ابادتهم سواء كان عسكرياً او مدنياً بل جميع الضحايا من عرب ومسلمين وسعوديين!؟ هذا على الرغم من عدم تأييد أي مسلم عاقل للتفجير في معاهد جاء للتعاون مع هذه البلاد في أي مجال من المجالات الحيوية الضرورية.
فيا أبناء هذه البلاد ومعتنقي هذا الدين القويم هل ترضون لانفسكم أن تكونوا اداة لاعمال تخريبية ارهابية تستهدف معقل الاسلام واهله، تبشّر بها المخابرات الاجنبية قبل وقوعها بدقة متناهية وكأنما كُشفت لها عنها حجب الغيب؟! أولم تتساءلوا: لِمَ تحدث هذه الاحداث إلا بعد الخروج الرسمي للقوات التي انتم تستهدفون أطلالها الآن بكل حماس أرعن؟
حقاً: ألم تخطر ببالكم كل تلك التساؤلات البدهية التي لا تخفى على عقل كل حصيف؟!
رابعاً: أسلوب الحوار الذي تدعو إليه دولتنا أعزها الله تعالى استجابة للدعوة الإلهية، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وليس استجابة لاية ضغوط اجنبية كما يدّعون، لماذا يعارضها قلة من الكتّاب والكاتبات دون وعي وتدبّر لتلك الدعوة، فالحوار الذي يعنيه أي عاقل ليس الحوار مع من تلوثت ايديهم بالدماء، ولكنه الحوار الذي يحمي شبابنا بعامة، ومن لم تتلوث ايديهم بالقتل من هؤلاء خاصة، ولانعني بالحوار الجلوس على طاولة المفاوضات مع الذين وقعوا في الخطيئة وسؤالهم عن مطالبهم، فلا يوجد أي دافع مقنع لتلك الاعمال الجنونية ولكننا نعني به استقطاب أُولي النهى من العلماء الذين يتوسم فيهم الشباب الرؤية الحيادية المنطقية المحتسبة، وفي جميع علمائنا حفظهم الله الخير الكثير، ولكن لكل شيخ مدرسته وتلاميذه واتجاهه المباح طالما هو تحت مظلة جماعة المسلمين، وان يكون توجيه الخطاب المقنع عن طريق اجهزة الاعلام وليس بأسلوب مباشر أو للخضوع للابتزاز، فلا أحد يؤيد طلبات قاطع الطريق حتى وان كان لم يجد قوت يومه، مبينين لهم خاصة وللشباب عامة خطأهم الجسيم في حق انفسهم دنيا وآخرة، وانهم سيساهمون في خدمة عدو الله وعدوهم، لانهم سيمزقون وحدة إسلامية نموذجية لم ترق للاعداء في عصر عزّت فيه الوحدة.
ولا بأس أن يعطى هؤلاء المصلحون بعض الثقة طالما هدفهم لله تعالى ثم لخدمة الامة والحفاظ على استقرار الوطن وحقن الدماء، لان الامر قد طال اكثر مما تصورنا ونخشى عواقبه، وقدوتنا في ذلك هو الصحابي الجليل عبدالله بن العباس الذي حاور الخارجين على الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه-، حيث أقنع منهم خلقاً كثيراً عادوا معه وقد أنزلوا سيوفهم بعد إشهارها، وليس معنى ذلك ان ابن عباس عليه شآبيب الرحمة افضل الصحابة - رضوان الله تعالى عنهم جميعا- لكن كل ميسّر لما خلق له، واساليب الاقناع تتفاوت، وتآلف العقول والارواح معترف به انسانيا وشرعيا، لعلنا بذلك نكتشف الحلقة المفقودة لهذه الثغرة المخيفة.
***
خامسا: اما ادعاء أنّ ذلك الانحراف الجزئي الضعيف في جسد هذه الامة القوية المتلاحمة المتبعة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله انما سببه المناهج او الدعوة التجديدية للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه، هو ادعاء باطل لا محالة، لان الاصل القاعدة العريضة وليس الشذوذ الضئيل، ولكن الواقع ان المؤثر في هؤلاء الصبية هي أكاذيب (الانترنت) التي أضحت مجالاً فجّاً لكل مدّعٍ وحاقد وراغب انتقام من خلف ستار الجبن الخفي، فهو آمن طالما لا يعرف اسمه، وبسهولة ويسر يبثّ حقده وزيفه، وقد بشر بعذابه رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه الرجل الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، دلالة سرعة انتشارها، وفعلاً فإن هذا الكذب قد حرّض كل عقل أجوف لا يحمل فكراً متنوّراً بنور الوعي والبعد عن الضلال.
وثمة أمر خطير آخر يشعل فتيل الفتنة وهو احاديث الناس أو (الديوانيات) كما يُقال، فكل من هب ودب نراه وقد نصب نفسه محللا سياسيا فذا يدلي بدلائه في كل رأي سياسي واقتصادي وديني حتى ولو كان تعليمه واتجاهه بعيداً كل البعد عن هذه الامور جميعها، ثم نراه يصنف الناس ويصدر الاحكام عليهم ويدّعي الاصلاح، ولا فرق في ذلك بين رجل وامرأة وبين شيخ وحدث وبين مثقف وأمّي فالجميع اصبحوا وامسوا وقد اعطوا شهادات تنوير الناس وارشادهم!؟ متجاهلين انهم بذك انما يبذرون بذور الفتنة ويسقونها وينمون نبتها ثم بالتالي يقطف المجتمع ثمرتها المرة ويوغرون بها صدور السفهاء.
فهلا تدبّرنا تلك الامور بعمق؟ وأعدنا التفكير بها بتعقل؟ وحاولنا تطبيقها بوعي ودراية؟؟
|