Monday 10th May,200411547العددالأثنين 21 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الملل
عبدالله بن بخيت

مرة سألت ممثلاً إنجليزياً يعمل في مسرحية تقدم عروضها يومياً تقريباً، ألا تمل من تكرار نفس الكلام يومياً؟ فقال: أحياناً، حسب طبيعة الجمهور إذا كان الجمهور حيوياً استمتع بالعمل وإذا كان الجمهور مملاً يكون العمل مملاً، ثم برر عمله بأن تسعين في المائة من الأعمال في هذا العالم هي تكرار يومي على الإنسان أن يمتثل له. ومع السواليف والدردشة عرف بأني أكتب زاوية صحفية بشكل شبه يومي فسألني نفس السؤال: فقلت له أنا أشعر بالملل. رغم أن الكتابة تختلف اختلافاً كبيراً عن المسرح لأن الكاتب يقول كلاماً مختلفاً يومياً. تبين لي مع الوقت أن السأم مصاحب للاحتراف. أجلس في وقت محدد من اليوم على طاولة الكتابة واستغرق المدة المحددة للكتابة وأنتج نفس الكمية من الكلام وأرسلها في الوقت المحدد. صحيح أن برنامجاً كهذا يسهل عملية الكتابة والإبداع ولكنه في الوقت نفسه يكرس الآلية المولدة للسأم. في الماضي قبل أن تتفشى وسائل الاتصال كنت اتمنى أن تكون هناك آلية لمعرفة رد فعل القارىء على ما تكتبه واليوم أتمنى أن تختفي هذه الوسائل لأنها أصبحت جزءاً من التكرار اليومي. منذ سنة تقريباً لم أعد أفاجأ بأي رسالة تأتي من قارىء. لقد أصبح الكلام معاداً ومكرراً وكأنه يكتب بقلم واحد.. ما زلت احتفظ بنشر عناويني من باب المجاملة المصحوبة بالإدمان، أو ربما تعطيني الرسائل التي تصل الإحساس بأني ما زلت مقروءاً لم يمل الناس من كلامي. أظن أن الكتابة في مطبوعة غربية لا يورث الملل. فهناك تفاعل بين ما يكتبه الكاتب وبين ما يحدث في العالم وما يتخذ من قرارات. عندما أقرأ عن الجرائم الأمريكية في العراق أو الإسرائيلية في فلسطين أتأكد أن ما نكتبه لا يمكن أن يسمى كتابة فالكاتب لا يمكن أن يوجِّه رسائله للضحية. ما الذي ينفع عندما تخاطب الضحية أو تبكي عليها أو تؤثر فيها.
لم أشعر بإحباط وممل من الكتابة كما شعرت في فترة الإعداد للحرب على العراق. ثار الصراع بين مجموعة من الدول الكبرى أمريكا وحلفاؤها من جهة وروسيا وفرنسا وألمانيا من جهة ثانية، كان دك تشيني يحشد التأييد لفكرة الحرب على العراق أو بالأصح لفكرة احتلال العراق. والدول المعارضة تجيش العالم للتصدى للغزو الأمريكي. أما من جهة الضحية: كانت حكومة صدام حسين تلجلج والزعماء العرب يناشدون والكتاب العرب كتبوا حتى استهلكوا الورق والأحبار.
الذي أريد أن أقوله أحياناً مع الحماس يظن الكاتب أنه يستطيع أن يغير أو يؤثر أو حتى يقدم النصيحة. عندما يستلقي الكاتب بعد أن ينتهي من كتابة المقال يكتشف أنه عضو في فريق الفريسة، يعرف أن أمته ليست طرفاً في الصراع بل مادة له، كل دولة كبرى من الدول الغربية خاضت حرب العراق كانت لها حسابات أرباح وخسارة. ومداخلات هذه الدول في المحافل تحدد نفسياتنا وعلاقتنا، فمرة نزعل على فرنسا ومرة نزعل على ألمانيا. نتكيف مع أطروحات أهل الصراع أول بأول. ثم تقع الواقعة ونبدأ في الكتابة والحديث عن النتائج كما يحصل الآن بالنسبة لما جرى من جرائم في سجون العراق. سنقول نفس الكلام الذي قلناه وما زلنا نقوله عن الجرائم اليهودية في فلسطين. الكاتب الحقيقي يعرف أن كلامه لا قيمة له. لا يصل إلى أصحاب القرار لا يغير من الأمر لا يضيف شيئاً. كلام تشفي ينتجه ضحايا يعيشون نفس سجن أبو غريب بأوضاع مختلفة. يشاهد الشاب المسلم أمته المسحوقة يساوم عليها في سوق السياسة الغربي، وزعماءه عاجزين حتى عن الاتفاق على صيغة بيان يقال بعد انتهاء مؤتمرهم. والكتاب يخوضون في العموميات والعنتريات والبكائيات، هل نستغرب أن يكون ضحية لأفاق ومغامر يبيع الخلاص الإنساني. الملل يورث الكآبة والكآبة تورث الزهد في الدنيا هذه هي حياة الضحية.

فاكس: 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved