قد يلومني البعض إذ عنونت لمقالتي بلفظ طالما تغنى به الشعراء، وترفع عنه ذوو الجدِّ وطلبة العلياء، لكن لهم أقول: أما مسَّت أوتار الفؤاد منكم مرة روائع الجمال في الكون، فلم تجدوا سوى مشاعر فياضة، ملكت عليكم شغاف قلوبكم حتى إنَّكم لم تجدوا فيما رحب من اللغة ما يجسد مكنون صدوركم؟ نعم، إنَّ للحبِّ مقاماً سامياً معبِّراً عن جمال يستميل النفس ويأسر الفؤاد، ولا تبلغ حدود الحروف ورسوم الكلمات تعبيراً عن قُلّه فضلاً عن جُلّه أو كلّه!!.
ولقد استهواني من هذا الحبِّ كلِّه حبٌّ هزَّ قلوب فحول الشعراء فلم يجدوا بُداً من استهلال قصائدهم بذكره، وذرف الدمع على أعتابه، إنه حبّ الديار، ذلك الحبّ الذي يمكث متربعاً على عرض القلب وما يزال بازدياد حتى يبلغ في ذلك المنتهى، إنه الحبُّ الذي يستحق أن يملأ جنبات هذه الكلمة الرحبة، نعم، قد تخلل حبّ دياري شغاف قلبي، وبلغ مني ذلك مبلغاً أفنيت فيه بعضاً من عمري - الذي أضنّ بكل لحظة منه - لكن محبتي ووفائي ل(رغبة) هو ما حداني لذلك، تلك البلدة التي أرى في كل ذرة من تراب علت أرضها أثراً للآباء والأجداد، وفي كلّ لبنة من لبنات دورها محط يد لهم أرست معالم تراثها، ولقد رأيتني - مع ذلك الجِدّ - قد قصَّرت في حقها، فأنّى للحروف - من كتاب عنونته باسمها - أن يفي لها بحق ذكريات الآباء وأمجاد الأجداد بين بقاعها الحانية، وفوق ثراها الحبيب؟!.
إنَّ حبّي، بل شغفي بحبّ (رغبة)، قد اتخذته مرقاة حبٍّ ترتقى به إلى محبة وطني الكبير الذي حوى بين جنباته ما أحببت، بل إنِّي لأشعر أن انتمائي إلى وطني - المملكة الحبيبة - يُحتِّم عليَّ ألاَّ أضنّ بنفيس ملكته خدمة له، وألاَّ أدخر جهداً في الحرس على نهضته حضارة وثقافة، ولله دَرُّ شوقي قائلاً:
وللأوطانِ في دمِ كُلِّ حُرّ
يدٌ سلفتْ ودَيْنٌ مستحقُّ
ولست أبالغ حين أقول: إنَّ الحبَّ كلُّ لا يتجزأ، فمن نعمة الله علينا في (رغبة)، إلى نعمته علينا في المملكة، إلى آلائه التي لا تُحصى، لذا فإنَّ حبّه سبحانه كان مبدأ كلِّ حبٍّ ومنتهاه، فهنيئاً للمحبين.
|