لقاء نظرة على المشهد العربي في التعامل مع قضايا الطفولة، يبرز كتاب الطفل كأحد أهم وسائط وآليات تربية الطفل ووسائل الاتصال بجماهير الأطفال.
فإلى أي مدى وفق إنتاجنا العربي، وتأثيره في تكوين شخصية الطفل العربي؟ وأي كتاب نريده للطفل؟ الحكايات المشوهة من شعبية وغربية، أم الخيالية (فنتازيا)، أم الحكايات العلمية الأحيائية من قصص الحيوان والنبات؟ أم الترجمة العشوائية دون تمييز القصص العلمية والأدب الإنساني الراقي (سندريلا، الجميلة النائمة..) من تلك الاغترابية (سوبرمان، بات مان)؟ لماذا ينظر البعض لأدب الطفل كفن سهل وبلا ذائقة، بينما لم يعد ينظر عالمياً لأدب الطفل باستخفاف كأدب صغار، بل أدب رفيع له صفاته الجمالية وله جوائزه الدولية وكتابه المبدعون.. العديد من الأسئلة القديمة المتجددة.. الإجابة قد لا تبدو عسيرة: نريد كتاباً جذاباً ومفيداً مستنداً على العلوم والفنون يربي الطفل عبر تقديم نماذج مناسبة من السلوكيات، إنما الواقع يشير إلى شيء آخر.
كتاب الطفل لا بد أن يتدرج مع قدرة الطفل على الاستيعاب مراعياً عمره؛ فرسوم الطفل يُراعى فيها الألوان الأساسية الجذابة (أزرق، أصفر، أحمر)، ويقل فيها عدد الأشخاص، مع إلغاء الخلفيات لكي لا يرتبك الطفل، والاعتماد على ما نسميه الصورة المقربة؛ وينبغي أن تكون الجمل قصيرة وعدد المفردات قليلاً والموضوع بسيطاً، وكلما تقدم العمر قلَّ دور الرسوم وزاد دور النص.
أحيانا يكون النص جيداً، إنما الناشر غير المتخصص لا يحرص على الاتساق بين الصورة والنص؛ وهذه مشكلة تعوق إنتاج كتاب متميز؛ لأن كثيرا من الناشرين سلكوا هذا المجال للتجارة فقط. (يعقوب الشاروني، كاتب للأطفال).
ويتفوق المنتج الغربي على إنتاجنا العربي. فما هو سر نجاحهم؟ يكفي أن كل دار نشر غربية تنشر كتاباً للطفل لديها محرر مختص بأدب الطفل، لذا علينا أن نحقق التوازن بين النص والرسم والإخراج والطباعة. فكتاب الطفل يحتاج إلى فصل ألوان جيد، طباعة جيدة، رسوم جيدة تتطلب التخصص. ولا بد أن تشتري المكتبات الكتب الجيدة. ولنا أن نعرف أن 70% من الكتب التي تصل إلى الطفل الأمريكي تكون من خلال المكتبات، و30% فقط عن طريق الأسرة (يعقوب الشاروني).
أطفالنا أحبوا الشخصيات الغربية مثل ديزني وغيرها لعوامل الجذب والبساطة، فالشخصيات بسيطة لدرجة السهل الممتنع، مع مخاطبة العقل واحترام الطفل وتحديد المرحلة السنية، وصناعة الفكرة.. فلديهم براعة في صناعة الأفكار للطفل. ومن أهم الأشياء التي جعلتهم ينجحون في العمل للطفل تقديرهم للقائمين على العمل للطفل مادياً ومعنوياً (عادل البطراوي، رسام الأطفال).
ويرى الفنان عطية الزهيري ضرورة الأخذ من الأفكار العالمية والتقنيات الحديثة التي يمكن إدخالها على كتاب الطفل ليرتفع مستواه، وتطويعها لما يناسب الفكر والذوق العربي، والاستعانة بتقنيات الكمبيوتر في برامجه المتطورة.
وعن الكتب الدينية يوضح أحمد زرزور (شاعر الأطفال) بأن المطلوب من كاتب الطفل المسلم استلهام القيم الإسلامية بشكل إبداعي يتغلغل في ثنايا القصة أو القصيدة بعيداً عن أسلوب المباشرة وطابع الارشادية والتقريرية والمواعظ الجافة.
الكتابة الإبداعية للطفل تعاني من غياب روح الطفولة الحقيقية بكل براءتها وبساطتها وشغفها ومرحها وهمومها الخاصة، لا الكتابة المتخيلة في ذهن الكبار؛ لهذا تأتي هذه الكتابة مدرسية جافة.
إن العودة إلى ذكريات الطفولة هي شفرة الإبداع الطفولي، مع الاحتكاك بالأطفال ومنابتهم، والتقاط الإشارات المرسلة من تصرفاتهم بعفوية.
ويعاني كتاب الطفل من افتقار الجمال في مظهره، بزعم أن الرسالة هي الأهم، في حين أنه لكي تصل الرسالة جيداً يجب أن تتوسل بالجمال والإبهار والجاذبية، لإثارة رغبة الطفل في القراءة، عبر رسوم جذابة تتضافر مع الكتابة بحيث يشكلان معاً نصاً إبداعياً، ولغة حلوة ملونة ومزركشة تتحرك مفرداتها كأنها مخلوقات حية تغني وتصيح وتجري بطريقة طفولية، بدون ذلك لن نرقى لمستوى كتاب الغرب.
أما أهم المعوقات في تسويق كتاب الطفل فتكمن في أن السوق غير مشجع للثقافة بالدرجة الكافية؛ فالبناء الاجتماعي مازال يفتقد الوعي بأهمية الكتاب وقيمته، إضافة إلى معدل الأمية بين الآباء، وذلك يضعف من القوة الشرائية.
ومن المعوقات التي نلقاها أيضاً أن هناك بعض دور النشر تحتكر السوق وتحتكر الاهتمام.
كذلك فإن الاهتمام الحكومي بكتاب الطفل غير كاف (عاطف عبد الرشيد، مدير شركة إنتاج).
وبما أن ما يخص الطفل غير مربح عموماً، فلا بد أن تتدخل الدول، فالملاهي تركتها بعض الدول للقطاع الخاص، وهذا راجع لربحها الوفير، وتجربة اتحاد الإذاعات الأوروبية مذهلة، 15 دولة مختلفة 75% من إنتاجها إنتاج مشترك ما بينها وما بين بعضها، تُختصر التكلفة إلى 15-1، وبالتالي فدائرة المعارف التي تكلف مليون يورو لا تدفعها دولة واحدة، بل يقسم ويخصص جزء محلي 25% تضيفه كل دولة بمعرفتها (عبد التواب يوسف).
أغلب ما ذكر أعلاه هو مقتطفات بتصرف من تحقيق طويل للأستاذة ألفت عبد الكريم.
وبالانتقال إلى آراء أحد أهم المختصين العرب في أدب الأطفال يذكر عبد التواب يوسف الحائز على الجائزة الدولية للأديب من معرض بولونيا الدولي، أن المشكلة هي غياب الترشيد، وتوعية الطفل بضرورة تنمية مهارات القراءة التي تعلمها فينشغل أطفالنا بأفلام الرسوم المتحركة، يستمتعون بها ويدعون كتاباتنا.
البعض يعلق الأمر على شماعة الإمكانات، ولكن أهم من تفوق الغرب، علينا أن ندرك أن طفلنا وارث لحضارات، فعلينا تنمية عينه بتعويده مطالعة الكتب، ودفع مكافأة له نظير كل فصل، ونريه صوراً ذات دلالة وندعه لنفسه. وتنمية أذنه بتعويده سماع المفيد مع الابتعاد عن الوعظ والإرشاد المباشرين، ومراقبة سلوكه ونموه وما نزرعه لديه أفضل من الإمكانات المادية، هذا الدور ليس صعباً، وهو صمام الأمان اليوم.
ويوضح عبد التواب أن معادلة إنتاج أدب الطفل لدينا مختلة، في أمريكا مثلاً المعادلة كالتالي: خمسة آلاف عنوان جديد وأكثر من 25 ألف نسخة مقسومة على عدد الأطفال الذين يجيدون القراءة من سن الثامنة، بينما يجيدها الطفل لدينا في سن العاشرة، فتكون النتيجة من 8 : 10 كتب يقرؤها الطفل هناك. في الوطن العربي المعادلة 2.000 كتاب في العام وخمسة آلاف نسخة على أكثر تقدير مقسومة على ملايين الأطفال العرب.. الناتج يساوي فقرة في كتاب!!
وفي كتابه (تنمية ثقافة الطفل) يرى عبد التواب يوسف أن المشكلة الاساسية في ثقافة الطفل العربي أنها خضعت لممارسة اجتهادية وإلى توجهات وتصورات خاصة ولم تعتمد على خطة عملية تقوم على أرض الواقع الثقافي للطفل الذي لم يدرس ولم يبحث برغم كل المؤتمرات والندوات وحلقات البحث، حيث من الضروري اشباع الحاجات الاساسية للاطفال، وارضاء رغبة الطفل في المعرفة وحبه للاستطلاع وطموحاته للاستقلالية.. لكي يصبحوا مواطنين صالحين.
إن علينا جميعاً: أمهات وآباء، تربويين وأصحاب قرار، رياضيين وفنانين وأدباء، الاعتناء بثقافة أطفالنا.. وهناك دور أساسي للمكتبات ودور النشر والأندية الرياضية والأدبية والمراكز والمؤسسات التنموية والثقافية ومنظمي الندوات.. وأحد ركائز هذا الاعتناء هو توفير كتاب طفل جذاب ومفيد.
|