لمحات من تاريخ حريملاء وآل (أبو ريشة)
أيمن بن سعد النفجان (*)

تقع حريملاء على ضفتي وادي الشعيب المعروف قديماً بوادي قران(1). ولقد رسم لها البكري حين قال: حرملاء موضع تلقاء ملهم؛ حصن لبني غبر، قال أوس بن حجر:
تجلل غدر حرملاء وأقلعت
سحائبه لما رأى أهل ملهما(2)
ويبدو أن كثرة شجر الحرمل هي سبب تسميتها بحرملاء. ويرى الجاسر في كتابه (الرياض عبر أطوار التاريخ) أن حريملاء تصغير الحرملاء الواردة في الشعر الجاهلي(3).
وفي العام 1045 نزل آل بورباع من بني وائل بلد حريملاء وغرسوها، وهي النشأة التي استمرت حتى وقتنا الحاضر(4)، إلا أن ابن لعبون ذكر أن بأرض حريملاء حوطة لآل أبو ريشة الموالي قد استوطنوها قبل ذلك، ثم ضعف أمرهم وذهبوا(5).
وما أود أن أسلِّط عليه الضوء في بحثي هنا هو مَن هم آل (أبو ريشة)؟ وما هي علاقتهم بنجد؟
التعريف بآل (أبو ريشة):
الذي أرجِّحه أن آل (أبو ريشة) الذين كانوا يسكنون أرض حريملاء هم آل عيسى الطائيون، وذلك لوجود دلائل تاريخية صريحة ترجح ذلك، منها:
1- يطلق على عقب عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن الربيعة أمير طيئ آل (أبو ريشة). والسبب في ذلك هو أن عيسى بن مهنا وقبائل طيئ وأحلافها شاركوا مع الملك المنصور قلاوون في معركة ضد التتار في العام 680هـ، فتمت هزيمة التتار بهم، وكان يحمل ريشة على عمامته فسمي (أبو ريشة)، وأصبح عقبه يقلدونه بوضع ريشة من ذهب على عمامتهم(6).
2- ولقد وهم بعض الباحثين بالاعتقاد أنهم موالي؛ لأن ابن لعبون ذكر (أبو ريشة) الموالي، والصحيح أنهم رؤساء قبيلة الموالي الشهيرة في بلاد الشام والعراق(7). ولعل ابن لعبون قال: (أبو ريشة) والموالي.
3- الطعيس في كتابه (مدينة حريملاء) يذكر أن الرواية المتوارثة لدى أهل حريملاء عن آل (أبو ريشة) أنهم من رؤساء القبائل في الشام(8)، ولا تعرف قبيلة في بلاد الشام تسمى آل (أبو ريشة) ومن رؤساء القبائل سوى عقب آل عيسى الطائيين.
4- الصفدي في رثائه لمهنا بن عيسى ذكر أنه أقدم بنجد حيث قال:
أمسى مهنا بالممات منغصا
فمصابه عم الأنام وخصصا
كم شق منه على الصوارم والقنا
إدراك مطلوب وقد شق العصا
وأقام في مجد بحصن مانع
لا تستطيع له الجيوش تخلصا(9)
5- ذكر ابن لعبون أن سبب رحيل آل (أبو ريشة) من حريملاء هو ضعفهم. والسياق التاريخي لضعف آل أبي ريشة بشكل عام يشير إلى أن بدايات القرن الحادي عشر الهجري شهدت ضعف آل أبي ريشة.
6- تتناقل بعض الأسر الفضلية رواية متوارثة خبر ارتحال أجدادهم من منطقة الشعيب قبل أربعة قرون.
7- ورد ذكر أخبار لقبيلة الموالي في نجد في كتاب أنساب الخيل للجاسر(10).
علاقة آل (أبو ريشة) بنجد:
آل عيسى من أشهر قبائل الشام والعراق، ولكن المصار التاريخية تذكر أن لهم أيضاً علاقة وثيقة بنجد.
1- لقد عرف آل عيسى بأنهم أمراء ما عُرف بعرب الطاعة؛ حيث كان السلاطين في الدولة الأيوبية والفاطمية يكلفونهم بمهام عدة، منها تأمين سلامة الحجيج(11)، وتأمين طرق المواصلات للقوافل(12).
2- يبدو أن آل عيسى كانوا ينزلون نجد لرعي مواشيهم؛ حيث قال ابن خلدون عند الحديث عن وفاة مهنا بن عسى: هذا الحي من العرب يُعرفون بآل فضل، رحالة بين الشام والجزيرة وتربة نجد من أرض الحجاز يتقلبون بينها في الرحلتين(13).
3- تذكر المصادر التاريخية أن آل عيسى كانوا ينزلون نجد عند حدوث الخلاف بين قبائل آل فضل والدولة الفاطمية وغيرها من إمارات ودول، وأيضاً في حالة حدوث الخلاف بينهم، ولعل ذلك يؤيد الروايات الشفهية المتوارثة لدى أهل حريملاء التي نقلها الطعيس في كتابه والتي تذكر أن سبب نزول آل (أبو ريشة) حريملاء هو حدوث خلاف.
4- ما بين القرن الخامس وحتى القرن الثاني عشر كانت قبائل من طيئ تسكن نجد، وخاصة قبائل بني لام من آل ظفير وآل كثير وآل مغيرة والفضول، وتجمعهم علاقة وثيقة بآل عيسى.
وفي الختام أتمنى أن أكون قد سلطت الضوء على آل (أبو ريشة) الذي ظل يمثل سؤالاً محيراً لدى الباحثين التاريخيين عمَّن يكونون آل (أبو ريشة).
وأرجو أن أكون قد نقلت ما يسهل على القراء اطلاعهم على المزيد من المعلومات التاريخية في هذا الشأن، والله أعلم.
الهوامش:
(1) مدينة حريملاء تأليف ناصر الطعيس.
(2) معجم اليمامة ص317 تأليف عبدالله بن خميس.
(3) مدينة حريملاء تأليف ناصر الطعيس.
(4) تحفة المشتاق من أخبار نجد لحجاز والعراق لمؤلفه عبدالله البسام ص204.
(5) جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد.
(6) للمزيد من التفاصيل راجع (آل ربيعة الطائيون) لفرحان سعيد ص178 وعشائر الشام لأحمد وصفي زكريا.
(7) المصدر السابق.
(8)
(9) أعيان العصر وأعوان النصر ص462 ج5
(10) أنساب الخيل تأليف حمد الجاسر ص.
(11) ذكر ابن بطوطة أنه شاهد أمراء آل عيسى في فيد يسهرون على راحة الحجيج، ويأمنون طرق المواصلات (ابن بطوطة ص103).
(12) تحدث ابن فضل الله العمري عن أمر سلطاني لأمراء آل فضل بتسهيل الطريق لوفود بني عامر سكان الأحساء (ص52 مسالك الأبصار في ممالك الأمصار طبعة المركز الإسلامي).
(13) العبر، ج5، ص436 لابن خلدون.