حدثت التفجيرات الأولى في الرياض، وتبعتها الثانية، فلزمت الصمت (الكتابي) عن هذين الحادثين بحجة أن هناك علماء ومشايخ ومفكرين أقدر مني على طرح مثل هذا الموضوع، لكن حينما حصل الحادث الجبان في المبنى الأمني في الرياض فار الدم في عروقي، وأرعدت، وزمجرت، وقلت : آن لي أن أخوض المعمعة، وأخط ببناني ما يكنه وجداني.. ها هم حكامنا يزرعون خيرهم في كل مكان، وفي كل منشأة.. وينثرون أريجهم العابق في كل الأرجاء.. فهل يحق لنا أن نجازي المحسن بالإساءة.. كلا وألف كلا!.. أما إن كان قصد هؤلاء انكار المنكرات.. وإشاعة الخيرات.. فما هكذا تورد الإبل.. وما هكذا كانت سنته صلى الله عليه وسلم.. فلقد كانت سنته صلى الله عليه وسلم هي {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ونبراسه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وطبق ذلك عليه إن كان هؤلاء يزعمون احتذاء المنهج النبوي، فها هو جليُّ أمامهم.. ووالله ما كان هذا نهجهم وإنما كان فعلهم نعرة جاهلية.. وحميَّة أولية.. قولو لي بالله عليكم : هاتوا لي دولة تجعل من القرآن دستوراً.. هاتوا لي دولة جعلت من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رباناً لسفينتها هاتوا لي دولة تقرب العلماء.. وتجعلهم إلى جانبها.. هاتوا لي دولة تفسح للخير معالمه.. فتكثف حلق الذكر.. وتأذن للوعاظ والمحاضرين أن يقولوا ما عندهم.. وينشروا الخير العميم على البشرية هاتوا لي دولة تعطي أبناءها الطلاب - الجامعيين - مكافآت دراسية. هاتو لي دولة علمت أبناءها وهذبت أخلاقهم دون أن تأخذ منهم فلساً واحد.. أفهكذا يكون الشكر.. يا من تزعمون القدوة النبوية، أو ما علمتم أن نبينا الكريم يقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).. لقد شكرتم فكان شكركم جرماً عظيماً.. فجرتم المباني.. وهدمتم البيوت ورمَّلتم النساء.. ويتَّمتم الصغار وثكَّلتم الأمهات.. لقد شكرتم.. لكن: بإسعادكم لليهود.. لقد شكرتم.. لكن بشق الصف والخروج على الإمام المسلم.. إن ما يفعل في بلادنا ليس من الدين.. ومن يفعلون تلكم المنكرات لا يمثلون الالتزام.. وإنما يمثلون أنفسهم فحسب.. فالدين علمنا ألا نخرج على الإمام إلا أن نرى كفراً بواحاً فيه من الله برهان.. فأسألكم بالله الجواد.. هل منعنا من إقامة الصلاة..؟ هل منعنا من الصيام.؟. هل منعنا من فعل وجوه الخير؟ كلاّ ورب الكعبة.. لكنه الران الذي يطبع على القلوب.. فيصير صلداً قاسياً.. كم كنت أتألم حينما أرى مباني تحولت أنقاضاً.. ورجالا سالت منهم الدماء البريئة.. وأراه ثم أراه حينما أرى أباً مكلوماً يعرضه الإعلام وهو مجهش بالبكاء؛ لأن طفلته الصغيرة.. غدرت بها يد الظلم بما لها من مخلب القسوة
إن الجهاد الحق لا يكون في أرض طاهرة يصدح فيها الأذان عالياً في الآفاق.. وتحتشم فيه المرأة. وتُرفع شرعة الرحمن خفاقة في السماء.. لو كان فعلهم هذا في جنبات اليهود لصفقنا.. دعونا.. أما أن يكون هذا بين ظهورنا فتباً وسحقاً.. فهم لم يفهموا فقه الواقع.. فصاروا وحوشاً كاسرة.. كنتُ أمام الشاشة أشاهد ذاك المشهد الدامي الذي حصل في مبنى (الأمن) في الرياض وفي جواري طفلة مُلئت عيناها بالبراءة.. فسألتني والذعر يكتنفها أين هذا العمل، فأجبتها بغصة حرى (إنه في فلسطين!!) وما درت تلكم المسكينة أنّ هذا في أرض الحرمين ومع أني شاكُّ أنها ما زالت حائرة في هذا المكان ما كان جوابها إلاّ أن قالت: (إني خائفة).
إن هؤلاء يسيئون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. وما علموا بأنّ اليهود ساخرون ضاحكون لمثل هذه الأفعال.. وما دروا أن هناك قنوات فضائية تسعد أن تصاب أرض الحرمين بمثل هذا.. فكرست أعلامها للتغطية.. وذكر الشاردة والواردة.. حتى يقال عنها إنها رائدة التغطية الفذةوتخفي في نفسها ما الله مبديه.. وما زلنا نكرر إن كان هؤلاء يزعمون بأنهم على منهج النبوة في العمل والتطبيق فإني أقول لهم : إن نبينا الكريم قال في حجة الوداع وكأنه ينظر لهم بلحظ الغيب.. (إن دماءكم وأموالكم حرام) نعم إنها (حرام) فهل تصل الرسالة.
حمى الله بلادنا.. وأوطاننا وأنفسنا من كيد الكائدين، ومكر الماكرين {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} واللهم اكفنا شرهم بما شئت، واختم بالذي يختم به الاستاذ (حمد القاضي) فأقول: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} آمين يا رب العالمين.
|