ثلاثة من أبرز أصحاب الأعمال الخيرية ودَّعوا هذه الدنيا خلال السنتين الأخيرتين كان السابق منهم فضيلة التاجر (محمد بن عساكر)، وكان اللاحق به منهم فضيلة التاجر (محمد اليحيى) وكان آخرهم لحوقاً بصاحبيه فضيلة التاجر (محمد الجميح)، وما من واحدٍ منهم إلا وله في قلوب الناس مكانة، وفي أعمال الخير دور مشهود يعرفه كلُّ من سعى إلى إقامة مشروع خيري لرعاية المحتاجين، أو مشروع دعوي تعليمي لدعوة الناس إلى الدين، وتعليم أبناء المسلمين في أكثر من موقع في هذا العالم.
التِّجارة عمل جليل إذا بُنيت على نيَّةٍ صادقةٍ في تحديد الأساليب المشروعة في تحصيل المال، وإدارته، وإنفاقه، ولصاحبها أجر عظيم إذا وجَّه ما كتب الله له من الرزق توجيهاً صحيحاً في بذله وإنفاقه، والاستمتاع به وفق ما أحلَّ الله سبحانه وتعالى.
لأن العِبرة في المال بالنتيجة الأخيرة التي يربح فيها التاجر أو يخسر، النتيجة التي يقف عندها كل صاحب مالٍ وقوفاً واضحاً صريحاً له ما بعده، حيث يُعرض عليه السؤالان المهمَّان: من أين اكتسبت هذا المال؟، وفيم أنفقته؟، إنها وقفة مهمة لها ما بعدها من النجاة والفوز، أو الهلاك والخسران، وهي وقفة لا مفرَّ منها، ولا مجال لتجاوزها، لأنها أمام رب العالمين الذي لايغادر من عمل ابن آدم شيئاً إلا أحصاه، وسأله عنه، والحديث الشريف واضح في تحديد معالم هذه الوقفة التي لا مناص منها (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع)، فالقدم واقفة لا يمكن أن تخطو خطوةً واحدةً إلى الأمام حتى تستكمل إجابات الأسئلة المهمة.
(وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، سؤالان ميسوران من حيث اللفظ، واضحان من حيث المعنى، صريحان من حيث الدلالة من أين اكتسبه؟ هل جاء من طرق الحلال، هل جناه صاحبه من أعمال مشروعة واضحة، بعيدة عن الرِّبا، والغش، والرشوة، والاختلاس، والتحايل، أم من غير ذلك؟
وفيم أنفقه؟، في أي وجه من وجوه الإنفاق بذل صاحب المال ماله هل أنفقه في وجوه الخير، والمتعة المباحة، والصدقة، والإصلاح، ورعاية الأيتام، ومساعدة المحتاجين، وبناء مشروعات الخير المختلفة، أم في غير ذلك من الوجوه التي لا يجيزها الشرع؟
هنا تكمن صعوبة السؤالين الكبيرين في فحواهما ونتيجتهما، المختصرين في ألفاظهما.
كل ما يحققه المال لصاحبه من المتع الخارجة عن حدود ما أباح الله وشرع، دليل على عدم النجاح في تجاوز تلك الوقفة أمام ربِّ العالمين، وكل ما يحققه المال لصاحبه من المتع المباحة المنضبطة بضوابط شرع الله دليلٌ على أن النجاح في تجاوز تلك الوقفة ميسورٌ متحققٌ بإذن الله عزل وجل.
المحمَّدون من التجَّار، عُرِفَ عنهم الخير، والبذل بسخاء في وجوه الخير، وقد تحدث الناس عنهم بعد وفاتهم. بما يسرُّ ويسعد من أحاديث أعمال الخير الجليلة، نسأل الله أن يكتب لهم أجرها ويجعلها من الأعمال المقبولة عنده.
وإنَّ من يطَّلع على إسهامات محمد بن عساكر، ومحمد اليحيى، ومحمد الجميح في أعمال الخير داخل المملكة وخارجها ليشعر بالفرح لهذه النماذج المضيئة من التجَّار المسلمين.
وها نحن - هذه الأيام - نرى فيضاً من غيض من الكتابات التي تتحدَّث عن فضل الشيخ محمد الجميح - رحمه الله - وأعمال الخير التي أسهم فيها داخل بلاده وخارجها، من رعاية الأسر المحتاجة، وبناء المساجد والمدارس، ودعم الدُّعاة وأهل الخير، فما أجلّها من أعمال، وما أعظمها من قدوة في هذا المجال، رحم الله محمد الجميح وعزاءً صادقاً إلى إخوته وأبنائه وذويه، ورحم الله ابن عساكر واليحيى وغيرهم من تجَّار الخير - كما نحسبهم -.
إشارة
نعم المال الصالح عند العبدالصالح.
|