أوصى مختص بتسويق المساكن بعمل مسوحات على العملاء قبل الشروع في شكل وتصميم المشروعات الإسكانية المراد تنفيذها، وقال عضو مجلس شعبة التحكيم في الهيئة السعودية للمهندسين المهندس مذكر بن دغش القحطاني أن رغبات واتجاهات العملاء تتغير وتتجدد باستمرار وزاد: ما كان يصلح قبل سنتين مثلا لم يعد مقبولاً في الوقت الحاضر.
وتستعرض.. (الجزيرة) فيما يلي مقتطفات من بحث بعنوان (المسكن الاقتصادي بين دراسات السوق والهندسة القيمية).. للباحث المهندس مذكر القحطاني:
******
(خصائص المسكن والفرق بينه وبين المنتجات الأخرى):
المسكن من فئة السلع وليس الخدمات. ولكنه من السلع التي تختلف كثيراً عن باقي السلع المتداولة في الأسواق.
من هذه الاختلافات، أن المسكن يعتبر من الاستثمارات الكبيرة في حياة الفرد، بل ربما يعتبر أكبر استثمار في حياته فتكلفة البناء مع الأرض لعائلة متوسطة لا يقل عن نصف مليون ريال، بل ربما تتجاوز التكاليف في بعض الأحيان سقف المليون ريال، إن حجم هذا الاستثمار بالمقارنة بأي سلعة قد يحتاجها الفرد من سيارة أو ملبوسات أو خلافه، يجعلنا نتوقف كثيراً حينما نريد أن نقدم مسكناً اقتصاديا لهذا الفرد أو ذاك.
من الاختلافات المهمة أيضاً، أن المنزل يعتبر من السلع المعمرة إذا صح التعبير، وذلك في مقابل بعض البضائع الأخرى التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي السنة أو السنتين وربما الشهر أو الشهرين، إن العمر الافتراضي للمنزل قد يتجاوز الثلاثين سنة وربما أكثر من ذلك بكثير، ولذلك فإنه ليس من السهولة بمكان أن يتم تسويق المنازل بشكل تقليدي، وإذا أضفنا الجانب الاقتصادي للمنزل والهندسة القيمية فإن ذلك يزيد الوضع صعوبة وتعقيداً.
الفرق الثالث له علاقة بالناحية النفسية للفرد، فمعظم السلع التي يستخدمها الشخص ليس لها ارتباط نفسي أو صفة دائمة يؤثر عليها العامل النفسي فالقلم، والسيارة، والهاتف النقال، ومعظم الحاجيات الشخصية، لا يرتبط بها الفرد ارتباطا وثيقاً كارتباطه بالسكن، فالسكن له علاقة قوية بالاستقرار، فالعائلة تعيش في البيت معظم فترات حياتها، ويرتبط أفرادها بذكريات خاصة في كل زاوية منه، ولذلك فإن من الأهمية بمكان مراعاة هذا الجانب وعدم إهماله بدعوى المنزل الاقتصادي أو الهندسة القيمية.
الاختلاف الرابع يختص بالفرق بين المسكن كمبنى تستخدمه عائلة واحدة بشكل يومي وتعيش فيه، وبين المباني الأخرى كالمستشفيات والفنادق، والمدارس، والمصانع، وغيرها، والتي يستخدمها مجموعة مختلفة من العملاء وفي أوقات متباعدة نسبياً، إن هذا الفرق يجعل من المسكن وحدة خاصة بكل فرد، هذه الخاصية تجعل من الصعوبة بمكان تلبية جميع الأذواق والرغبات من خلال مبان نمطية في الشكل والتصميم ومنخفضة التكلفة، وقد تكون مدروسة قيمياً، ولذلك فإن تطبيقات الهندسة القيمية لمشروعات الإسكان تعتبر غير كافية بمعزل عن هذه الخصوصية المرتبطة بالسكن والمختلفة عن باقي أنواع المشروعات الأخرى.
من الاختلافات السابقة يتضح الفرق الكبير بين طبيعة وظروف استخدام المباني المنزلية من جهة, والمباني الاستثمارية الأخرى من جهة ثانية، ولذلك فيمكن القول إن فرص نجاح تطبيق الهندسة القيمية لمشروعات الإسكان على وجه الخصوص، ستتأثر سلبا إذا تمت بمعزل عن تأثير هذا الفوارق، وهذا يقودنا إلى البحث عن أدوات وطرق ومفاهيم يلزم معرفتها أولاً، ثم تطبيقها ثانياً، قبل التفكير في تطبيق الهندسة القيمية، وذلك أن الهدف في النهاية ليس مسكناً اقتصادياً مجرداً فقط، وإنمايكون مسكنا اقتصاديا يحقق الوظيفة التي أنشئ من أجلها.
(مفهوم التسويق وتعريفه)
لم يكن التسويق كمفهوم منظم له طرقه وخططه معروفاً قبل الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، ففي تلك الفترة وما قبلها، كان المفهوم البيعي هو السائد والمعروف بين أوساط الشركات والمؤسسات التجارية في الدول الصناعية، والفرق بين المفهومين فرق شاسع ففي الثاني (المفهوم البيعي) تقوم الشركة او المؤسسة بإنتاج منتجاتها مسبقا، ثم لا يبقى أمامها إلا أن تستميت لبيع هذه المنتجات على العملاء بشتى الوسائل المتاحة، ولذا فإن على الشركات أن تكون دائماً مستعدة لإقناع العملاء بشتى الوسائل الممكنة لشراء منتجاتها ومن ثم زيادة أرباحها عن طريق زيادة حجم المبيعات، فإن المفهوم البيعي يبدأ من المصنع ويركز على المنتج ويستخدم ترويج المبيعات كأداة للوصول إلى زيادة الأرباح عن طريق زيادة حجم المبيعات، إن المفهوم البيعي لا يأخذ رضا العملاء بعد البيع، فلا توجد بحوث لمعرفة ماذا يريد العملاء بدقة، وما هي الظروف المحيطة بهم؟ وكيف يمكن توظيف هذه الظروف لمصلحة المنظمة، ولذلك فإنه حينما يطبق هذا المفهوم في المشروعات الإسكانية فإننا سوف نحصل على مشروعات سكنية ضخمة تنشأ بناء على رغبة ووجهة نظر المستثمر فقط، والذي هو في هذه الحالة يقوم بدور المصنع، ثم يستميت هذا المستثمر في بيع هذه الوحدات الإسكانية للعملاء بأي شكل كان ليحقق أرباحه من خلال كمية الوحدات المباعة، وهنا يكمن الاختلاف بين هذا المفهوم البيعي والمفهوم التسويقي التالي.
أما المفهوم التسويقي فهو يعتمد على معرفة رغبات العملاء أولاً ثم تفصيل المنتجات أو الخدمات لهم بناء على ذلك فإنه يفترض أن المنظمة أو المؤسسة لا يمكنها تحقيق أهدافها وتطلعاتها التي تضمن لها الاستمرارية أو الربحية بطريقة فعالة إلا إذا تواصلت مع العملاء لمعرفة احتياجاتهم ثم تحقيقها بطريقة لا تضر بمصالح الشركة وكمقارنة مع المفهوم البيعي، فإن نقطة البداية في مفهوم التسويق هي السوق وليس المصنع أو المستثمر، إن الشركة تبدأ بمسح شامل للسوق عن طريق بحوث التسويق لجمع المعلومات كخطوة أولى في سلسلة القيمة المفترض تقديمها للزبون. أما عن التركيز، فالمفهوم التسويقي يركز على احتياجات العميل بدلا من التركيز على المنتج. وأدوات التسويق لا تقتصر على الترويج فقط بل تشمل جميع نشاطات وإدارات المنظمة وبخصوص الهدف النهائي فالأرباح للمنظمة تأتي من رضا العملاء وليس من حجم المبيعات. وبذلك يتضح الفرق الجوهري بين كلا المفهومين، حيث يضمن مفهوم التسويق استمرارية المنظمة طالما يوجد سوق وحاجة من قبل العملاء. وكذلك يضمن نجاح المنتج في نهاية المطاف. ويمكن القياس على ما سبق مشروعات المساكن، فما هي الا منتجات يلزم أن تحقق رغبات العملاء المختلفة وتفي بمتطلباتهم.
|