يُقدّر كثيراً لجامعة أم القرى إحياؤها للأعمال المجيدة التي خلفها رواد الأدب والفكر والثقافة في بلادنا، في منهج متحضر، يؤمل أن تحافظ عليه الجامعة، وأن تنهجه بقية المؤسسات الثقافية والتعليمية، فلقد قررت الجامعة أن تحتفي في كل شهر برائد من هؤلاء، في ليلة يجمل فيها عارفوهم ومن كتب عنهم شيئاً عن سيرهم وآثارهم العلمية والفكرية وجهودهم.
والليلة، تحتفل الجامعة بشخصية يعد ظهورها في العقد الثاني من القرن الهجري الماضي الميلاد الحقيقي للمثقف السعودي المعاصر، كما جاء في وصف حسين بافقيه الذي ألقى محاضرة عن الأديب السعودي الكبير الراحل محمد سرور الصبان (1316هـ - 1391هـ) في نادي جدة الأدبي قبل أربعة أعوام.
فلقد ظهر الصبان مع زوال الحكم التركي من الحجاز، وبزوغ عصر النهضة الفكرية العربية، وكان له مواقف وإنتاج فكري شعري ونثري، حاول من خلاله أن يقود المجتمع الحجازي إلى العصرية والانفتاح، وكان أميل في توجهاته إلى الثورية والتحرر، مما أوقعه في متاعب سياسة لم تدم فترة طويلة.
لكنه، مع الأيام، وجد أن كثيراً من أحكامه وشكوكه وانطباعاته المسبقة، لم تكن لتعوق قيام نهضة تعليمية وثقافية شاملة، وأن العهد لم يكن ليقف في طريق الإصلاح الذي كان يدعو إليه ويأمل فيه، فاندمج مع المجتمع الجديد، واستطاع أن يسهم بنصيب وافر من قيادة رموز الثقافة القلة في عصره، فافتتح مكتبة عُنيت بجلب روافد الثقافة العربية المجاورة، وألف ما يُعد أول كتب الأدب السعودي الجديد وهي: (أدب الحجاز 1344هـ، والمعرض 1345هـ وخواطر مصرحة 1345هـ أيضاً).
ويمكن القول - بحسب تقديري - إنه قد اجتمعت في محمد سرور الصبان عدة عوامل رئيسة ومنها: الفكر التنويري العارم، والقدرة التعبيرية العالية وإن تفوق فيها نثره على شعره، ومكارم الأخلاق الشخصية، واليسر المالي، مكنته مجتمعة أن يحتل موقعاً متقدماً بل مثقفي زمنه، وأن يقود الشباب السعودي المتحمس في منتصف القرن الماضي لوضع أولى لبنات الأدب السعودي الحديث.
فإذا ما ذكر حمزة شحاته، وحسن عواد، واحمد ابراهيم الغزاوي واحمد السباعي واحمد قنديل وعبدالله عريض ومحمد علي مغربي وفؤاد شاكر وعزيز ضباء وعبدالقدوس الأنصاري وغيرهم، فإن محمد سرور الصبان يأتي في طليعتهم وقيادة سربهم.
الليلة، وفي قاعة فيصل بن فهد، رحمه الله بفرع جامعة أم القرى بحي العزيزية بمكة المكرمة ،بإذن الله، سيتبارى محبوه وعارفوه للإدلاء بشهاداتهم عنه، بعد (35) عاماً من رحيله، يستذكرون مآثره وآثاره وجهوده..
إذ لابد أن الأدباء سيتحدثون عن ريادته الفكرية، وأن رجال الإدارة والاقتصاد سيستكشفون أعماله ودوره في وزارة المالية مستشاراً لوزيرها (ابن سليمان) في عهد الملك عبدالعزيز، ثم وزيراً للمالية في عهد الملك سعود حتى عام 1378هـ، ثم تُعرّج الندوة على آخر مواقعه الوظيفية في عهد الملك سعود والملك فيصل بوصفه أول مؤسس لرابطة العالم الإسلامي 1380هـ (1960م) وحتى وفاته بعد عشرة أعوام.
لكن للرجل دوراً منسياً في مجال الإعلام، لا يقل في تأثيره عن ادواره الأخرى، ذلك أن محمد سرور الصبان كان الراعي الخفي لجريدة (صوت الحجاز)، التي انتقل إليه امتيازها من مؤسسها محمد صالح نصيف، فظلت في عصمته منذ عام 1355هـ وحتى توقفها بسبب الحرب الكونية عام 1360هـ، ثم بعد عودتها للصدور تحمل اسم ( البلاد السعودية) حتى تحويلها إلى مؤسسة صحفية أهلية سنة 1383هـ، فلقد كان طيلة تلك الفترة يرأس الشركة العربية للطبع والنشر صاحبة الامتياز والمطبعة التي كانت تصدرها.
وكان للرجل فضل آخر -بعد الله- لا تنساه ام القرى، وهو تبنّيه ومجموعة معه لأول تجربة ناجحة لطباعة المصحف الشريف في مكة المكرمة (عام 1369هـ) أي في أواخر عهد الملك عبدالعزيز.
كما كان محمد سرور الصبان المدير المستتر أيضاً للإذاعة السعودية طيلة سنواتها التأسيسية الخمس الأولى، ذلك أنها كانت جزءاً من وزارة المالية، ومديرية من إداراتها، حتى أصبحت مديرية مستقلة في مطلع عهد الملك سعود (1374هـ).
غفر الله له وجزاه الجزاء الأوفى.
|