* في حياتنا اليومية، صورتان متضادتان، بينهما بون شاسع دون شك.
* الصورة الأولى، تمثل (الأب) كبير السن، الذي ينتمي إلى جيل سني ما قبل النفط، أو ما بعده بقليل.
* الصورة الثانية، تمثل (الابن) صغير السن، الذي ينتمي إلى جيل سني النفط، أو جيل النصف الأخير من القرن الميلادي الذي مضى.
* في الصورة الأولى، نرى كيف يبدو الرجل (الأب)، حفياً بأشيائه، حريصا على ممتلكاته الشخصية جميعها، فلا يترك منها شيئا عرضة للأعين، أو مسبلة لكل يد لاقطة، أو رجل ساقطة.
* هذا (الأب)، موجود بيننا في المدن والقرى والبوادي، شب وشاب على حفظ ما يخصه، وصون ما يثبت شخصيته، ويخدم مصالحه، انطلاقا من احترام كبير، ونظرة تقدير، لجملة الوثائق الثبوتية الرسمية التي هي معه، لأنه يرى فيها ذاته، ويرى فيها دولته حين يقف مراجعا أو معقبا لواحدة من دوائرها الرسمية.
* منظر يشدني كثيرا، حين أشاهد واحداً من هؤلاء (الآباء)، أو (الإخوان) الكبار، وهو يجعل بطاقته وثبوتياته، في صرة مربوطة بإحكام، ثم يدسها في جيب سري في حثلة، أو في جلدار.. (كمر) جلدي، يلف وسطه، شعارا تحت ثوبه..!
* أين هذه الصورة البهية، من تلك التي نراها في شباب، يركب السيارات، ويجوب الأسواق صباح مساء..؟!
* تصور وأنت تمر بطرف سيارة واقفة، فإنك تشاهد بكل يسر، بطاقة صاحبها، ورخصة سير وقيادة، وغيرها مما يخصه، (مرزوعة) أو مطروحة على طبلون السيارة..!
أما اذا كان عند صاحبنا هذا، شيء من حرص، وبقية من نباهة، فهو (يرزعها) بين المقاعد، أو يضعها في رف الباب، أو في جيب الشماسة، وكثيرا ما تشاهد محفظة هذا الشاب (الابن)، وهي مليئة بنقوده وأوراقه وبطاقته وغيرها، مرمية على طبلون سيارته..!
* كيف نفسر هذا المنظر، وفي أي إطار نضع هذه الصورة (السبهللية)، وهل لها مكان إلى جانب صورة (الأب) البهية..؟!
* هل يكفي ان نقول: بأن (من) أبنائنا من هو مهمل، متساهل، غافل، غير مبال، مفرط..؟!
* أو نقول بشكل آخر : ان مرد ذلك، الى ثقافة سلبية، هي صورة نمطية في نسق عام، أضحى مجتمعنا، (يعصد) أو يحصد، بعض مرارتها في حياته اليومية..؟!
* إن من أدق وأهم ممتلكات الإنسان، (الأب والابن) على حد سواء، ومن بينهما، ومن بعدهما كذلك، تلك الوثائق الشخصية الرسمية، التي بدونها يظل المرء مجهولا عند من لا يعرفه، وحتى عند الذين يعرفونه، ويحلو لهم التمحك بزوله الجميل..!
*هذه الوثائق، من بطاقة أحوال شخصية، وبطاقة عائلية، ورخصة قيادة، ورخصة سير، وبطاقات عديدة أخرى، مثل بطاقة صرافة، وحسابات بنكية، وتأمينات ومصحات وغيرها، كلها خاصة وشخصية ومهمة للغاية، فاذا فُقد منها شيء، حاس فاقدها، وأصيب بالدوار، وداخ السبع دوخات حتى يجده، أو يحصل على بديل لضائع، بغرامات مالية، أو تعهدات خطية، أو بلاغات وإعلانات مدفوعة القيمة، مع فترة انتظار قد تطول او تقصر.
* هذا فقط.. اذا لم يقع بعض هذه الوثائق المهمة، في أيد شريرة، تستغله في مآرب خبيثة، ومقاصد لعينة، فكم من بطاقة أحوال ضائعة، وقعت في يد مجرم قاتل، رمى بها في مسرح جريمته، وأطلق ساقيه للريح، فهبت ريح الجريمة، باتجاه صاحب البطاقة المفرط، ونجا منها المجرم الحقيقي، الذي يستحق العقاب.
* هذا الكلام.. مدون مثبوت في سجلات أمنية وقضائية، ولست أورده هنا اعتباطا، ومن يشك فيما أقول، فعليه مراجعة الجهات الجنائية، للوقوف على حقائق الأمور.
* ليس القتلة وحدهم، من يتصيد البطاقات الشخصية، فيستغلها في الهرب من العقوبة، ولكن هناك من ينتظر وثائق رسمية ثبوتية، ضائعة لو مفقودة، لكي يزور فيها، فينظر بمظهر صاحبها الأصلي، وقد يسرق وينهب ويقتل، ويهرب المخدرات، ويعيث في الارض فسادا، وفي العباد إفسادا، وصاحب هذه الوثيقة، يغط في نوم عميق، أو ينام في (العسل)، على طريقة الفنان عادل إمام..! حتى يستيقظ على المفاجأة.. بل الفاجعة الكبرى.
* الأخطر من هذا أيها السيدات والسادة.. وخاصة أنتن أيتها السيدات، اللواتي تحملن اليوم، بطاقات أحوال شخصية، وبطاقات صراف وغيرها.. ان ما لديكم من (وثائق رسمية، وبطاقات خاصة)، يمكن - بكل بساطة - ان تخدم مشروع الإرهاب، فتسهل على أعدائكم من خصوم الحياة، عملية التخفي والتستر، والتنقل والنفاذ الى أهدافهم.. كل ذلك يمضي، بأسمائكم وارقامكم وصوركم، فتصبحوا بضربة بطاقة ضائعة هنا او هناك، إرهابيين قتلة، أعداء لله والدين والناس أجمعين، ولا غرابة بعد ذلك، ان تظهر صورة شاب غافل آمن، في قائمة المطلوبين أمنيا، لأنه بموجب بطاقته المضبوطة في موقع الجريمة، إرهابي قاتل مجرم، فهو من تسبب في الأذى لنفسه وللوطن والمواطنين، فغافل مثله، لا يدرك أهمية ما (يفترض) انه في جيبه، وليس في السيارة، من وثائق رسمية، فتساهل وتماهل وتماطل، ثم فرط فتفرط، فوصل بنفسه من نفسه، إلى هذه النتيجة.
* آباؤنا، حفظهم الله، يعون قيمة ما بحوزتهم من وثائق وأوراق، ويدركون أهمية البطاقات الشخصية، لأنهم يحسون أنها مكملة لذواتهم، وجزء لا يتجزأ من حيواتهم، فهم بذلك يجعلونها دائما، في حرزها المكين، وصونها المتين، فلا تصل إليها أيدي العابثين، ولا أعين المتطفلين، ولا تطولها غريزة المزورين والمتسترين والمجرمين، ولذلك نجا آباؤنا من مهالك الغفل، ومن مزالق التهاون. ولكن.. خلف من بعدهم خلف، أضاعوا نباهتهم، وفقدوا وعيهم وحرصهم وإدراكهم، فوقعوا في حرج ما بعده حرج.. كل ذلك من أنفسهم، فلو أنهم فهموا الدرس، واحتذوا الحرص، لأصبحوا مثل آبائهم وأجدادهم، بعيدين عن كل ريبة وغيبة.
*إذا عرفنا ماذا تعني لنا، وثائقنا الثبوتية الرسمية، عرفنا أهمية المحافظة عليها، وادركنا قيمة صونها، دون تساهل او تفريط في شيء منها.
fax: 027361552
|