رغم كل الاحتياطات التي اعتمدها الاحتلال في تعتيم الصورة بل وحجبها لكي لا تخرج إلا بمقدار وحسب الرغبة وحسب المسموح والموافق عليه من الحاكم المدني إلا أن الصورة لم تطق أن تسجن كسجناء غوانتنامو هذه المرة خرجت الصورة تراجيدية مأساوية! والمفارقة العجيبة أنها خرجت ليس عبر وسائل اعلامية معادية يمكن التشكيك بمصداقيتها بل عبر كاميرات أمريكية وجنود أمريكان وبريطانيين ومن داخل سجن يشرف عليه حراس أمريكان وليسوا اسبانا أو حتى من هندوراس! وسائل الإعلام الاجنبية والعربية التي حيدت كثيرا وابعدت عن ممارسة عملها في نقل الصورة لم تستطع أن تعمل كما يجب ان تعمل، بل ان تلك الوسائل الإعلامية متى ما اقتربت من بؤرة الحدث كان نصيب مصوريها رصاصة أو قذيفة من دبابة! هذه المرة قفزت الصورة فوق كل الحواجز لتعلن عن مدى ما وصلت إليه الإنسانية المتحضرة والتي اطلقت شعارات الحرية والمساواة وروجت لها عبر وسائل وندوات ومنظمات دولية واجتماعات لتعلن انها تقود العالم إلى الحرية الموعودة!! بل وتعرضت الكثير من الدول لضغوط لانها لم تطبق الحرية والديموقراطية في بلدانها، الان تكشفت الحرية بمفهومهم بانها تعني اطلاق يد القوي بالضعيف والمنتصر بالمهزوم وهذا بالضبط ما طبقه وفهمه حراس السجون في أن لهم الحق في فعل ما يريدون! العالم بلا وجود كبير عاقل ونظام حقيقي يحتكم إليه المظلومون أمر جعل الظلم هو السائد! والحرية التي تأتي على ظهر حاملات الطائرات او ارساليات القمح تتكشف سريعاً بأنها حرية الفاعل وليس المفعول به! غوانتنامو العراق تكشفت بعض أوراقها فقط في سجن أبو غريب وربما في زنزانة واحدة لم تنكشف كل الأوراق بعد، هناك الكثير والكثير وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والخبرات العلمية وغيرها ما زالت صورها تنتظر أن تقفز حواجزها وتخرج من اطاراتها! لم يعد هناك عالم حر وديموقراطي كما كان يتشدق المتحدثون القادمون من وراء المحيطات، سقطت أقنعة المتحدثين عن الامن والسلام والحرية في العراق، وغونتنامو البعيدة ما زالت تشهد على انتهاك حرية الإنسان وان تفضلت سلطات السجون هناك بالافراج عن بعض المحتجزين بلا تهمه واضحة (بعضهم) تم القاء القبض عليه في الشوارع أو في بيته لم يكن مجرما لا سياسيا ولا مدنيا ولا مجرم حرب ولا ارهابيا ولكن القوي له، كما يبدو، الحق في احتجاز الناس ثم الانعام عليهم بالحرية وهذا ما يحدث الان، فقد اطلق سراح بعض النزلاء في سجن غوانتنامو وفي العراق أيضا، الاطلاق يعني ان لا جريمة يدان فيها المتهم! يفترض ان انتهاك حرمة أي انسان ومنعه من الاستمتاع في حياته وتكبيله و(تكييسه) بالطريقة التي تشاهدها في التلفزيون ومن ثم القاءه في الزنزانة يمثل اعتداء صارخا على حرية الإنسان ويفترض انها جريمة يعاقب مرتكبها!!
واتساءل: لماذا لا يقوم السجناء الذين افرج عنهم ودولهم بمطالبة الجهات الأمريكية بتعويضات، بل والشكوى إلى محكمة الجزاء الدولية؟ فذلك ربما منع الكثير من الأعمال المشابهة مستقبلاً! لماذا يكتفي بعض المحتجزين فقط بالحصول على شهادة الحرية ومن ثم الركون إلى السكون؟! الصور المخزية والمعيبة بحق الإنسانية وما اسفرت عنه تكشف ان الحرية تعني حرية السجان بان يفعل ما يريد، فما فعله المجندون بالذين القي القبض عليهم دون جريمة بهدف التحقيق أو متعة التحقيق يثير تساؤلا: اذا كان هذا ما فعلوه بالرجال فماذا يمكن ان يكون نصيب النساء؟ في النهاية يمكن القول بأن (الحرية) ليست مؤذية فقط لمن تقع على رأسه ويبتلى بها، بل ايضا لمصدرها حيث تتقلب على صاحبها!! لتكشف وجها بشعا غير الوجه الذي كان ينخدع به البسطاء وغير الوجه الذي يظهر به المنادون بها من على منصات الحديث لوسائل الاعلام بانهم يتحملون المشاق فقط لانهم يريدون للعراق وشعب العراق بان ينعموا بالحرية والعزة و (الكرامة)!!
|