يصح القول ان السلطات الفرنسية قد أعلنت الحرب مؤخرا على مبيدات الحشرات من كل الأصناف لصيانة صحة آكلي الخضار والحبوب والفواكه.
فبعد اجراء ثلاثة آلاف تحقيق باتت السلطات الفرنسية راسخة الاعتقاد ان المزارعين يبالغون في استخدام هذه المواد الكيميائية ولا سيما مادة د.د.ت مما يعرض المستهلكين لشتى انواع التسمم الغذائي.
ولكن هل تكفي مراقبة الدول لكبح الاخطار؟
يعتقد دعاة الزراعة الطبيعية انه لا سبيل الى تحسين الاوضاع ما لم ترجع الدول الصناعية الى طريقة الزراعة القديمة، اي بمعزل عن دسّ المواد الكيميائية في تراب الاراضي المزروعة.
وهذه نظرية الاستاذ الامريكي كيرفران كبير الاختصاصيين بعلم الحياة وعضو المجمع العلمي في نيويورك، فانه يزعم أن استخدام مبيدات الحشرات حتى بمقادير زهيدة انما لا يخلو من اضرار على البدن الانساني حيث تراكم هذه السموم مع مرور الزمن، الى يوم يعجز البدن عن فرزها.
اما الاسمدة الكيميائية فليست في نظر هذا الاستاذ وانصاره اقل خطرا ومضرة من مبيدات الحشرات! اذ يزعم ان المزروعات الخصبة بهذه الاسمدة تنشط نشاطا اصطناعيا فتجتذب ملايين الحشرات، ويجري عندئد تفاعل غريب في اجسام هذه الحشرات فتكف عن افتراس بعضها بعض! ويدخل المزارع حينئذ في حلقة مغلقة، اذ يضطر الى استخدام المزيد من مبيدات الحشرات، وان الترابط واضح في نظره بين المبالغة من استخدام الاسمدة الكيميائية والمواد المبيدة للحشرات.
واقتراحه لحل المشكلة هو الرجوع الى الاسمدة الطبيعية والاعشاب المائية المعروفة (بالأشن) علما انه يتيسر انتاجها بالاساليب الصناعية.
ويبدو أن فرنسا هي أول دولة زراعية في اوروبا، قد اتبعت هذه الخطة، اذ حولت خمسمائة الف هكتار اي سدس اراضيها الزراعية، الى اراض مخصبة بالاسمدة الطبيعية فقط. وتألفت في فرنسا شركات زراعية تبيع منتجاتها تحت مراقبة الدولة مع ضمانة مكتوبة وملصقة على انواع الخضار و الفواكه، وفحواها ان هذه المنتجات قد نضجت بلا سماد كيميائي ولا مبيدات حشرات.وتباع هذه الاصناف بأسعار أغلى من الاخرى بنسبة 15%.الاتجاه السائد في اوروبا في الساعة الحاضرة انما هو أن الاساليب الزراعية الامريكية والسوفيتية خير عبرة ومثال ( لما لا ينبغي فعله) ففي الولايات المتحدة احترقت من الاراضي الزراعية في نصف قرن مساحة تعادل مساحة فرنسا! وكان الاسراف من الاسمدة الكيميائية سبب ذلك.
واصبحت هذه الاراضي غير صالحة للزراعة.
وكذلك في الاتحاد السوفيتي حيث تحولت مساحات زراعية شاسعة الى صحراء جرداء شمالي بحر قزوين، من تكرار الاسمدة الكيميائية.ولهذا تفسير علمي بسيط، هو ان كل الحيوانات الصغيرة (المجهرية) التي لا ترى بالعين المجردة، قد تلفت وهلكت مع انها ضرورية لانها المادة الحية في التربة الزراعية.ولعمري قد حصل في الزراعة ما حصل في ميادين اخرى، اذ يلاحظ ان الانسان العصري يفرغ عصارة دماغه في ابتكار اسلحة الخراب والدمار ثم لا يفطن الا بعد مرور ردح طويل من الزمن الى انه سمم حياته بيده! وخلق هو نفسه اسباب فنائه، مثلما فعل حين اخترع الطاقة الذرية، وحين كثف انتاجه الصناعي غير مكترث لاخطار التلويث.
|