Saturday 8th May,200411545العددالسبت 19 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
النصر ودوري خادم الحرمين
عبدالله بن بخيت

مع أني أحب متابعة الرياضة وكرة القدم بشكل خاص إلا أني لم اتمكن من الكتابة التحليلية فيها. وأعتقد أن محبتي للكورة لا تعود إلى شغفٍ بالرياضة نفسها ولكنها تتعلق بشيء من الحنين لأيام الطفولة. أيام ملعب الصايغ. أيام مكرونة الهلال ومعرق الشباب وجريش الأهلي (الرياض) وسليق النصر. لكن أكثر اهتمامي كان منصباً على الهلال والنصر، بحكم أني عرفت الكورة على أصولها الحديثة من خلال صراعهما الذي لم ينقطع حتى الآن. هذا الصراع ما زال يمثل جزءاً كبيراً من اهتمامي بالكورة. ويبدو أن هذا الصراع انتقل للأجيال التالية والدليل أن النصر ما زال وفياً لهدفه الأوحد وهو هزيمة الهلال. لاحظوا أن النصر منذ أن هزم الهلال في هذا الدوري (معد شاف خير). هذا ليس موضوعي. الحقيقة خروج النصر من بطولة خادم الحرمين جاء بشكل درامي مميز لم يحصل في تاريخ الكورة ذكرني بقصة طريفة من قصص التعليم في المملكة.
بدأ النصر بالمنافسة على الترتيب الأول في الدوري، ثم تنازل قليلاً وصار ينافس على الترتيب الثاني. وبعد ممانعة وافق على المنافسة على الترتيب الثالث ثم اقتنع أن الترتيب الرابع يمكن أن يقوده إلى بطولة الدوري فحل فيه فترة معينة. ولكن الظروف لم تسمح له بالبقاء طويلاً في المركز الرابع فانسحب إلى المركز الخامس.
ذكرتني حكاية النصر بقصة قديمة قصها عليّ رجل مسن جاء من قرية من القرى المحيطة بالرياض. عندما فتحت أول مدرسة نظامية في قريته، قررت إدارة المدرسة إجراء اختبار مستوى لكل الراغبين في الالتحاق بالمدرسة حتى يتم تصنيفهم. من يجيد القراءة والكتابة والحساب يتم تصنيفه حسب مستواه ليوضع في السنة المناسبة لقدرته.
تم جمع التلاميذ في باحة وطلب منهم أن يكتبوا أي شيء يطرأ على بالهم. المهم الخط والقدرة على الكتابة. صادف أن أحد التلاميذ كان يتكئ على قطعة كرتون فقام بنسخ ما كُتب على الكرتون حرفياً. فصنف في السنة الرابعة. وبعد مرور عامٍ تقريباً اكتشفت المدرسة أن هذا التلميذ لا يمكن أن ينجح في السنة الرابعة. ومع بداية السنة التالية قررت الإدارة نقله إلى السنة الثالثة. وبعد مداولات ومحاولات ووساطات وافق الطالب وذووه على فكرة الانتقال بعد أن تم اقناعهم بأن تنزيله سنة واحدة أقوى له. لم تهتز ثقة الطالب ولا ذويه فمازال متقدماً على أسنانه التلاميذ بثلاث سنوات. درس الطالب في الثالثة على أساس أنه هابط من السنة الرابعة. يمتلك مقومات لا يمتلكها زملاؤه ويعطيه أفضلية عليهم. سارت الأيام بُذلت فيها جهود من المدرس ومن الإدارة لمساعدة الطالب على استيعاب المرحلة التي هبط فيها. وعلى مشارف نهاية السنة بدا واضحاً أن التلميذ لا يمكن أن يكمل في هذه السنة ، فالطالب يفتقر إلى أبسط قواعد الكتابة والقراءة والحساب التي يحتاجها أي تلميذ سواء في المرحلة الابتدائية أو المرحلة الجامعية. ولا يمكن أن تسمح المدرسة ببقائه في هذه المرحلة لأنه سيبقى فيها إلى الأبد. قرروا استدعاء ولي أمره وشرح الأمر له. رفض الأب فكرة تنزيل ابنه إلى السنة الأولى لكي يكتسب المهارات الأولية التي تؤهله للدراسة بصفة عامة ، رفض الأب الفكرة من أساسها وأزبد وأرعد وقرر الاتصال بالمسؤولين في الرياض، وأخيراً تمت تسوية الأمر وتم تنزيل الطالب إلى السنة الثانية وليس إلى السنة الأولى. بدأ التلميذ سنته الجديدة ممتلئ الثقة بالنفس على أساس أنه يمتلك خبرة ومعرفة لا يعرفها زملاؤه في الفصل. ولرفع معنوياته ولمكافأته على التنازل تم تعيينه عريفاً على الفصل. تحركت الأيام ومضت في طريقها الذي لا تحيد عنه، ومع اقتراب نهاية السنة تبيّن أن نجاح الطالب بات في حكم المستحيل ولابد من إنزاله إلى السنة الأولى مهما كلف الأمر حتى يستوعب قواعد وأسس العلم الأولية. وبعد وساطات أهل الخير من القرية استسلم الأب.
درس الطالب في السنة الأولى مبتدئاً حياته التعليمية من الصفر. تبيّن في النهاية أنه فقد القدرة على التركيز والمتابعة وفقد الطموح الذي يؤهله للنجاح وقبل نهاية السنة انسحب بدون تعليم. لم يأسف كثيراً فقد حقق ما لم يحققه بشر من قبل حيث دخل التاريخ كأول تلميذ في العالم يتخرج على وراء.
أظن لو كان هناك مزيدٌ من المباريات في الدوري وفسحة من الوقت لنافس النصر بكل ضراوة على المركز الأخير.

فاكس: 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved