كانت الأمة مجتمعة ومتحدة فدب فيها الاختلاف والتفرق وخرجت فيها الفرق والطوائف الكثيرة التي بسببها أريقت الدماء وتفرقت الكلمة وتشتتت الجماعة، فكان لزاما على أهل العلم والحق رد هؤلاء النافرين إلى جادة الصواب، امتثالاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} فمن استجاب هُدي،ومن أبى يؤخذ على يده حتى يعود، حماية للمجتمع منه.
وحين حدث تفجير العليا بالرياض إبان حياة الشيخ الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال: (.. فالواجب على طلاب العلم أن يبينوا أن هذا المنهج خبيث (منهج الخوارج) وأن هؤلاء إما جاهلون، وإما سفهاء، وإما حاقدون، فهم جاهلون لأنهم لا يعرفون الشرع، فالشرع يأمر بالوفاء بالعهد، وأوفى دين بالعهد هو دين الإسلام، وهم سفهاء أيضاً، لأنه سيترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله، فليست هذه وسيلة إصلاح حتى يقولوا إنما نحن مصلحون، بل هم المفسدون في الواقع، أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها) انتهى كلام ابن عثيمين..
ولا نغفل الواقع الحالي الذي أصبح تعريف الجهاد عند بعض ممن يصفون أنفسهم بالمجاهدين هو قتل الكافر في أي مكان، وفي أية حالة، وهذا الفهم الخاطئ تنقصه الرؤية الشرعية، فقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في قريش يدعوهم إلى التوحيد، ولم يأمر بقتل أو أذية أحد من المشركين، ولو أمر لوجد من صحابته الجهاد بالنفس والمال والولد، ولكن كانت الدوافع الأساسية هي الدعوة إلى التوحيد، وتفنيد معتقدات المشركين، وعندما طُلب منه قتل أحد المنافقين قال صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى يقول الناس بأن محمداً يقتل أصحابه؟؟) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالجهاد بالحجة أقوى تأثيراً بل إن أمما تغيرت مفاهيمها بتأثير اندماجها في ثقافات أمم أخرى، وإن كان للجهاد (الحربي) وقت محدد وأحوال يقررها أهل الحل والعقد، فجهاد العلم والحجة في كل وقت وفي كل مكان، وكم نحن بحاجة ماسة لعقول نيرة، تدافع عن الإسلام وتفند الشبهات، وتدرك ان الدين آية محكمة، وحديث صحيح، وأثر معتمد، وليس مجالاً للتكفير والتفجير والإرهاب، فتستحل الدماء والأموال بغير حق، حتى قلبت عقول الشباب، وجعلت نفوسهم مستعدة لأي عمل إجرامي، تحت مسمى (جهاد)، وهو إفساد لا ينصر دينا، بل يثير الأعداء، ويخرب البناء ويهدم الداخل، ويقوض العزائم، ويصد عن سبيل الله.والذي وقع في براثن الفتنة وعمل في غير عمل أهل السنة والجماعة، فقد ظلم نفسه، حين تسبب في قتل الأطفال والنساء والشيوخ من المسلمين، أو من غيرهم، أما من سلم من هذه الفتنة فقد نجا ، ورجوع بعض الدعاة دليل على وجود هذا الفكر الدخيل، وان كنا نستبشر خيرا في العود الذي نرجو ان يكون حميدا، وندعو لمزيد من العائدين.إنها دعوة (لكل هارب ومطارَد) أن يتوقف عن التخطيط والتدبير ضد أبناء وطنه من رجال الأمن أو المواطنين أو المقيمين، ويفكر بالعودة وتسليم نفسه للسلطات، ولعله يجد - كما وُعِدَ - الاحتواء والعلاج الناجع لكل الأفكار الدخيلة وتكون المحاسبة بعد العلاج، حيث لابد أن يدرك - بعدها - كل من انحرف عن الطريق حجم الخطأ!! فقد أثخنت الأحداث جراحنا!! واغتالت أفراحنا، وفجعت الأمهات، وترملت الزوجات، وتيتم الأبناء.ورجال الأمن هم أبناؤنا.. وأكباد الوطن التي تتفتت، وقلوبنا التي تتفطر، ودموعنا التي تتحدر، فلا تمسوها بسوء، فتصبحوا على ما فعلتم.. مجرمين!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|