ما عرضه معالي الدكتور غازي القصيبي في مؤتمره الصحافي عن برنامجه الوزاري لحل مشكلة البطالة، وإعطائه عهوداً حازمة في خلخلة المشكلة واقتلاعها من جذورها، ودفنه في مقبرة التاريخ نعتبره مهماً في مضمونه وتوقيته ومجال تخصص عمله.. ولا أريد اليوم أن أخوض في كون هذه المهمة صعبة أو ممكنة أو مستحيلة.. ولكنني أريد أن ألفت النظر إلى موضوع آخر ذي علاقة بالآلية وليس بمضمون ما طرحه الدكتور القصيبي.. وهو رغبتنا نحن المواطنين من الوزراء أن يحددوا برنامجهم الوزاري خلال فترة عملهم في المناصب الوزارية.. وتحديداً نود - كما فعل الدكتور غازي- أن يعد كل وزير برنامج وزارته وخططها ومشروعاتها وفق أهداف واضحة وآليات عمل محددة ويعرضها هؤلاء الوزراء على المواطنين ليعرفوا منهم ما الذي يعدونه في وزارتهم من أعمال ونشاطات ومشروعات خلال السنوات الوزارية المحددة لهم.. وحتى يمكن للمواطنين- وقبل ذلك ولي الأمر- معرفة ما يحققه الوزراء من إنجازات وأعمال خلال سنوات مناصبهم الوزارية.. أو ما يعجزون عن تحقيقه وملابسات عدم الإنجاز وظروف الإخفاق والفشل لا قدر الله..
ما أقترحه هنا هو إعادة بناء آلية عمل الجهاز التنفيذي للدولة بما يتلاءم مع الرغبة المخلصة والمستمرة لولي الأمر في أن يدفع بالإصلاحات الوطنية إلى حيز التنفيذ وبما يخدم المواطنين ويحقق رفعة الوطن.. ومن يقرأ التاريخ الحديث للدولة خلال السنوات الماضية أو لنقل خلال العقد الماضي بشكل خاص، يجد أن كثيراً من الإصلاحات الوزارية قد تمت وتحققت لبلادنا والحمد لله. وعلى سبيل المثال لا الحصر- في مجال موضوع هذا المقال- فقد صدر نظام الوزراء بتحديد المدة الوزارية بأربع سنوات وهذه مثلت نقلة إصلاحية مهمة في الجهاز التنفيذي، حيث لم يعد الوزراء يملكون كراسي وزارتهم لمدد غير محدودة وبدون أمل في التغيير.. ولهذا جاء النظام ليحاول أن يحد من الفترات الزمنية الطويلة التي كان الوزراء يملكونها قبل النظام .. ويظل قرار التجديد للوزراء من اختصاصات رئيس مجلس الوزراء إلا أن وضع آليات واضحة للمساءلة عن العمل والإنجاز تصب في أولوية الإصلاح للجهاز التنفيذي في المرحلة الحالية..وربما تكون هناك أكثر من صيغة إصلاحية لعمل الوزراء ولكن ما أطرحه هنا هو مجموعة من المقترحات التي تصب في إطار هذا الموضوع على النحو التالي:
1 -ينبغي أن يأتي الوزراء- وتحديداً- هؤلاء في التخصصات الخدمية بأجندة واضحة ومحددة ومصاغة بأهداف مرتبطة بأولوية المجتمع وخططه التنموية.
وتسمى هذه الأجندة (البرنامج الوزاري في مجال (تخصص الوزارة): العمل، التربية، الإعلام، البلديات، الاتصالات.. الخ أي أن كل جهاز وزاري يقوم بتحديد هذه الأجندة ويضعها على شكل برنامج عمل لمدة أربع سنوات.. ولكن توجد مشكلة هنا.. متى يقدم الوزير هذا البرنامج؟ ونحن نعرف أن الوزراء يتم تعيينهم بأمر ملكي في وقت محدد، وفجأة يأتي الوزير ليضطلع بمسئولياته مبتدئاً في أحيان كثيرة من درجة الصفر في مجال عمل وزارته.. فمتى يمكنه تقديم برنامجه؟ وقد يحتاج الوزير عدة أشهر ليعد هذا البرنامج.. وهذا وقت ضائع في الفترة الزمنية المحددة بأربع سنوات.. ولهذا يمكن حل هذه المشكلة بأحد الخيارين التالين:
أ - يتم إبلاغ الوزراء بتعييناتهم قبل بدء عملهم بمدة زمنية تصل إلى حوالي الشهرين. وحيث إن التعيينات الوزارية المتمثلة في مباشرة فورية للوزراء تتم في 3 ربيع الأول، فيمكن أن تصدر التعيينات في أول المحرم وتبدأ المباشرة في 3-3، حيث يكون هناك وقت الشهرين هي عبارة عن تهيئة للوزير أن يضطلع بمسئولياته وبعد برنامجه في الوقت المحدد.. ومثل هذا الإجراء يتيح فرصة للتنسيق بين الوزراء السابقين والوزراء الجدد.
ب - يمكن إن لم يتم الأخذ بالمقترح السابق، ان يتم تعيين لجنة من عدد من الأشخاص مثلاً ستة أشخاص، ثلاثة من داخل الوزارة وثلاثة من خارجها في مجال تخصص الوزارة، وتقوم هذه اللجنة بإعداد إستراتيجية عامة للمرحلة المقبلة تكون جاهزة أمام الوزير المختص لتسهل عمله وتعطيه رؤية إستراتيجية تنويرية تهيئه أن يعد برنامجه الوزاري خلال أسابيع قليلة.
2 - يقوم الوزير المختص بعرض برنامجه الوزاري أمام رئيس مجلس الوزراء أو من ينوب عنه ليطلع عليها ويعتمدها في الخطوط العامة، ويحتاج البرنامج أن يتعرض لمناقشة من مجلس الشورى، ويتم نشرالبرنامج في وسائل الإعلام ليطلع المواطنون على البرنامج الوزاري خلال الأربع سنوات التالية، وربما نتيجة المناقشة والحوار يتم تعديل بعض عناصر البرنامج وتقديم بعض الأولويات على بعضها بما يتلاءم مع احتياجات المرحلة ومتطلبات الواقع.
3 - يحتاج الوزير من أجل أن يحقق برنامجه الوزاري أن يكون معه فريق عمل من عدد معين من الموظفين والمستشارين ليكونوا معه خلال فترته الوزارية.. وهذا الإجراء في بالغ الأهمية، لكون الوضع الحالي الذي يعيشه الوزراء هو أنهم يضطرون أن يتعايشوا مع الأشخاص القائمين في وزارتهم من وكلاء وزارة ومديري عموم ومسئولين، ولا يستطيعون تغييرهم بحكم القيود الوظيفية وصعوبة أو حرج التغيير.. ولكن في تبني المقترح سيكون مع الوزير رجال يساعدونه في قيادة العمل التنفيذي على أفضل وجه.. ويفترض أن يعود هذا الفريق إلى سابق أعمالهم بعد انتهاء فترة وزيرهم.. مثلما هو معمول به حالياً مع أعضاء مجلس الشورى.
4 - مع قرب انتهاء فترة الوزير المختص، يمكن أن يتعرض الوزير إلى مناقشة عامة أو من خلال مجلس الشورى لما تحقق خلال فترته من إنجازات وما لم يتحقق من برامج وهذا يعطي الوزراء وقفة أخيرة للتعرف والتعريف بجهودهم ونشاطاتهم خلال الفترة الزمنية المحددة لهم..نأمل فعلاً أن تجد هذه المقترحات طريقها للدراسة والتقويم، لكونها تصب في الإستراتيجية الإصلاحية التي انتهجتها الدولة منذ سنوات.. وقد استطاعت لجنة الإصلاح الوزاري برئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز أن تحقق الكثير من الإنجازات في أمور الإصلاحات الوزارية.. ومن المتوقع أن تستمر هذه الإصلاحات حتى نصل بإذن الله إلى مستوى عالٍ من الأداء والتنظيم الإداري الذي يكفل لنا نجاح مستمر في مشروع التنمية السعودي.. وما قدمه الدكتور غازي عقب تعيينه وزيراً للعمل يمثل لنا برنامجاً من هذا النوع المقترح، وسنسأل الوزير بعد ثلاث أو أربع سنوات ماذا أنجز من مشروعه الوطني لمكافحة البطالة.. وهذا يتيح لنا آلية يستطيع الإعلام والمواطن والمختص أن يتابع بها عمل الأجهزة التنفيذية في بلادنا..
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|