Friday 7th May,200411544العددالجمعة 18 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

18-6-1391هـ - الموافق 10-8-1971م - العدد 355 18-6-1391هـ - الموافق 10-8-1971م - العدد 355
(إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن)
بقلم: علي بن مديس بجوي(*)

كلمات قصيرة تجمع معاني عظيمة، وذلك حينما يضعف الوازع الديني في النفوس وتبتعد عن تعاليم الشريعة السمحة وتحكم شهواتها وتتبع رغباتها وان كان فيها حتفها تنكب الجادة وتسير في مسالك الخاطئين وتسبح في بحر الجاهلين ويبهرج لها الشيطان فيزين لها الباطل حقا والحق باطلا، حينئذ لا تجدي فيها النصيحة ولا تؤثر فيها المواعظ الحسنة، فلم يبق بعد ذلك إلا السلطان ليكبح جماح الشهوة ويبدد غياهب الظلام وينير السبيل للتائهين بما رزقه الله من قوة، وما آتاه من سلطان، فتفيق حينئذ النفس الشريرة من غفوتها وتتنبه من غفلتها وتبتعد عن مزالق الشر ومهاوي الخطر؛ لأنها تعرف ان السلطة ستنال منها وتوقفها عند حدها، وجاء هذا البيان الكريم الذي حملته اصداء الاذاعة وازدانت به أولويات الصحف القاضي بتحريم بيع القات وزراعته وأكله جاء ليحقق خيرا ويقتل شرا ويقضي على عادة طالما امتلأت بها مجالس الشر وغصت بها حلقات الجاهلين والذين لا يقدرون للمصلحة العامة قدرها ولا يقيمون للمحافظة على الصحة والنفس والمال وزنا. وكأنهم يحاكمون: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } فلا الارشاد نفع ولا التبيين للمضارّ ردع، وانهم لكثيراً ما يعرفون ويدركون مضار هذه الشجرة الخبيثة فيقدمون على أكلها على علم بمضارها؛ لأنها قد تأصلت في نفوسهم وتمكنت من قلوبهم واستولت على مشاعرهم وحواسهم فهم يستحسنونها والشيطان يزينها لهم، فجاء هذا الأمر ليكون رادعا لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد.
ولسنا الآن بصدد تعداد ما تجره هذه الشجرة من مضار ومفاسد يدركها كل من أكلها وأقر بواقعها أو أدرك ذلك من واقع متعاطيها فالمقام لا يتسع لهذا، ولكن لمحات بسيطة عن بعض تلك المفاسد وتلك المضار، فالقات كما يفهم الجميع أنه مضر بالجسد والصحة العامة ومتلف للمال اضافة الى ما شهد به كثير من الموثوقين ممن أكله وانزجر عنه بوازع من دينه، شهدوا بأنه يفقد الشعور ويخرج المرء عن طوره المعهود، فكم له من المضار وكم له من المساوئ الخلقية والبدنية والمالية، وفيه يقول العالم الجليل الشيخ حافظ أحمد الحكمي رحمه الله:


يا باحثا عن عفون القات ملتمسا
تبيانه مع ايجاز العبارات
كله لما شئت من وهن ومن سلسل
ومن فتور واسقام وآفات
كله لما شئت من لهو الحديث ومن
اهلاك مال ومن تضييع اوقات
على العبادة قالوا نستعين به
فقلت: لا بل على ترك العبادات
ان جاءها الظهر فالوسطى يضيعها
ومغرب فعشاء قط لم يأتِ
وان اتاها فمَعْ سهو ووسوسة
في غفلة مع تفويت الجماعات

فوهن وسلس وفتور واسقام وافات واهلاك مال وتضييع أوقات وفقدان للشعور، ثم ان محبيه وعشاقه يعكفون على أكله من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة ليلا في أماكن مخصوصة، تاركين ما أمرهم الله به من السعي في الارض والبحث وراء الرزق {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } مفضلين البطالة بسبب القات على العمل، متكئين على آرائكم طيلة بقية ذلك اليوم والليلة. ينهشون الاعراض ويضيعون الوقت ويتلفون المال ويعرضون صحتهم للاخطار البليغة. فماذا يستفيدون منه؟ لا شيء غير مضاره ومساوئه، وفيه يقول الاستاذ الأديب إبراهيم الشعبي:


لا حبذا حلقات القات مفرغة
فيوم عيد بلادي يوم نلغيها
ويوم ترقص أقدام مطهرة
على رفات تبقى في متاكيها
يا رب قيّض لهذا النبت جائحة
تجتثه من أصول لا نزكيها

وهكذا جاء أمر صاحب الجلالة حامل لواء الإسلام والمنادي بالخير والسلام والساهر ليل نهار من اجل مصالح ابنائه والمسلمين اجمعين، جاء ليقضي على هذه الشجرة الخبيثة من جذورها ويزجر النفوس الشريرة ويهديها سواء السبيل، وكم كان لهذا الأمر السامي من صدى عظيم في نفوس ابناء هذا الشعب الوفي، الذين يدركون بأن قائدهم ورائدهم لم يكن له هدف سوى ما يصلح البلاد والعباد، فأهلا بك يا إمام المسلمين، وتحية لجلالتكم من الأعماق، وتقديراً كبيراً لوزارة الداخلية على اهتمامها البالغ ونشرها هذا البيان على فوهة المذياع وصفحات الجرائد ليسمعه ويفهمه الخاص والعام.
وقد حدد البيان الكريم نوع العقوبة التي فرضت على متعاطي تلك الشجرة كل بحسب ما أقدم عليه من جرم وذكر ان مصلحة المجتمع هي التي اقتضت اتخاذ هذا الأسلوب الحازم. نعم انها المصلحة العامة التي تقضي بمثل هذا، فالجريمة تستوجب تلك العقوبة لمرتكبها والمصلحة تقضي بها.
وحينما يفرض ولي الامر، حفظه الله، تلك العقوبة الصارمة لا يقصد من ورائها إلا ما يصلح المجتمع ويردع الضال والسفيه. فأنت أيها الشخص قد تؤدب ولدك وفلذة كبدك وتقسو عليه وفي نفس الوقت تحبه وليس تأديبك بغضا له وإنما لمصلحة نفسه. ثم تقدم على بتر عضو من أعز اعضائك اليك، حينما يستفحل فيه الداء وينصح الاطباء ببتره لئلا يسري المرض الى كامل جسمك فيودي بحياتك وأنت لا تحب ان يفارقك هذا العضو العزيز عليك وانما المصلحة والمحافظة على حياتك اقتضت ذلك وهكذا، وصدق الشاعر حين يقول:


وقسى ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس احيانا على من يرحم

وهنا أوجه كلمة لاخواني أبناء هذا الوطن الغالي طالبا منهم بذل الجهد والتعاون مع المسؤولين للقضاء على هذه المادة، وليعتبر كل شخص نفسه انه مسؤول عن هذه الأمانة، ولنأخذ على يد السفيه لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق اطرا..) الحديث.وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وهدانا سواء السبيل، ووفق ولي أمر المسلمين ورجاله العاملين لكل خير وسداد انه نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) مساعد رئيس محاكم جيزان


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved