مضى أسبوع تقريباً على وفاتك يا والدي.. آه كم هو أسبوع طويل طويل !! افتقدناك فيه كثيراً، كل شيء حولي يذكرني بك. غرفتك، الكرسي الذي كنت تجلس عليه، الطريق الذي كنت تسير فيه، المسجد، أشعر بسعادة غامرة حين أضع رأسي على وسادتك، أو أمسك عصاك التي لم تكن تفارقك. أو أشم رائحة ثيابك.
حقاً إنها لحظات ممتعة تشعرني بأنك لاتزال معنا، فتفيض عيني بالدمع ولساني بالدعاء، ولا اقول إلا ما يرضي الله. إن فراق الأحبة صعب.. صعب.
لا أنسى حرصك الدائم على رؤيتنا وأطفالنا، دون تململ من إزعاجهم وعبثهم بل أرى في وجهك ابتسامة المزح وأنت تقبلهم واحداً واحداً وتسألهم عن أحوالهم ودراستهم. وتؤكد عليهم الاهتمام بدراستهم ومستقبلهم.
كأني أسمعك وأنت تؤكد على أبنائك وأحفادك أهمية الصلاة، وتذكرهم بأهمية أدائها في وقتها، بل والطرق على أبوابهم للتعجيل في أدائها دون ضجر أو تململ، وأنت تردد قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ولا تملك إن تأخروا عن أدائها إلا أن تقول :(لا حول ولا قوة إلا بالله).
فلتهنأ يا والدي، فقد أديت الأمانة.. أديتها حق الأداء.
- لن أنسى مثابرتك وحرصك على العمل، فحين نطلب منك أن ترتاح ،يكون ردك: (وهل راحة الإنسان إلا بالعمل)، (واستراح من لا عقل له).
- كنت -رحمك الله -متواضعاً مع الكبير والصغير، حتى الخدم تسلم عليهم وتبتسم في وجوههم، لم أسمعك يوماً تنهرهم، بل كنت تردد قولك: (بارك الله فيكم) لمن قدم لك خدمة ولو بسيطة، فرحمك الله كما رحمت غيرك يا أبا عبدالله.
- يعجنبي فيك الصبر وقلة التشكي والتضجر، وإن كان ألمك شديدا، ونحن نسألك عن حالك وانت متعب، فتكتفي بالقول :(شيء بسيط والحمد لله).
- كنت يا والدي قليل الكلام، لا تحب أن تغتاب أحداً، وإن ذكر عندك أحد بسوء تكتفي بقولك: (الله يهدينا وإياه)، أحياناً أراك صامتاً لوقت طويل، أعرف أنك تسرح بعيداً، وكأنك كنت معنا بجسدك فقط. وكم تمنيت أن أبحر في عقلك لأعرف فيم تسرح ،وفيم تفكر، لكني أعرف أنك تحمل هموماً كثيرة تحتفظ بها لنفسك، ولا تحب أن تثقل على أحد بحملها ومشاطرتك إياها.
- عشت حياتك يا والدي للناس لا لنفسك.
- عشت لتعطي لا لتأخذ.
- تخدم ولا تنتظر شكراً.
- تُقدم ولا تبغي مقابل.
- تشفع بلا فضل ولامنة.
- تبادر بالسؤال عمن قطعك، وزيارة من تأخر عنك. مع أن الحق لك دائماً.
(فأنت الكبير، وأنت الأب، وأنت الشيخ) لكن حسن الخلق يأبى إلى أن تبادر أنت، فلا وقت لديك للّوم أو العتاب، فهذا لا يعرفه قاموس كلماتك.
آه يا والدي.. أرى فيك طيبة وصفاء قلب، أكاد لا أراها في أحد هذه الأيام.
- كم كنت تحب اجتماع الناس في مجلسك العامر، وتذكرهم دائماً باجتماعكم اليومي بعد صلاة العشاء !.
فبفضل الله عشت يا والدي شامخاً، ومت شامخاً وستبقى في ذاكرتي شامخاً إلى الأبد.
وتركت لنا مدرسة أخلاق سأظل أنهل منها ما حييت.
أخيراً.. رحمك الله يا والدي، وجمعنا معك في الفردوس الأعلى. ولله ما أعطى ولله ما أخذ و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
والحمد لله رب العالمين.
|