فظائع التعذيب.. حالة عامة
أم حادثة منعزلة؟!

في تسلسل الرتب العسكرية وتراتبها تبقى الأفعال محكومة بالأوامر وكيفية تنفيذها، ولهذا من الصعب عزل فعلٍ ما, في أي مستوى من هذا التسلسل، عن الارتباط بأعلى قمة الهرم، وعلى ضوء ذلك تثير فظائع الجنود الأمريكيين في العراق إمكانية اطلاع القيادات على تلك الفظائع من تعذيبٍ وانتهاكٍ للكرامة وأفعالٍ غير أخلاقية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حالات منعزلة، فالممارسات البشعة التي رآها العالم قد لا تكون هي الوحيدة وربما هي نماذج لما حدث وما قد يحدث مستقبلاً إذا لم يتغيّر شيء في طبيعة هذا الاحتلال وإذا استمرت حالة الانفلات في تصرفات الجنود الأمريكيين دون عقاب..
فهذه المشاهد المؤسفة ليست فقط للتصوير وإنما هي في سياق ممارسات قد تكون يومية شاء البعض أن تجد طريقها للإعلام أو أنه أخطأ التقديرعندما كان يصورها كذكريات شخصية ربما (للتفاخر) من قِبل ذوي النفوس المريضة بين أقرانهم عن كيفية إذلالهم واحتقارهم للعرب بغرض التشفي أو إشباع رغبات أناسٍ شاذين.
حديث الرئيس الأمريكي عن أن المسألة قامت بها قلة من العسكريين أي أن الحادثة منعزلة ولا تعبّر عن حالة عامة وسط الجيش الأمريكي يبقى رهن التحقيقات التي ستحدث والتي يأمل الجميع في أن تكون محايدة، وليس من ضمان لهذه الحيادية سوى إدخال عناصر محايدة أو لجنة دولية للاضطلاع بمهمة التحقيق.. فلا أحد يثق كثيراً في بلاد ترتكب مثل هذه الممارسات.
إن بشاعة هذه الجرائم ضد العراقيين وضد الإنسانية بشكل عام لن تخفف منها مجرد كلمات تطلق هنا وهناك دون الاستناد إلى أدلة مقنعة، وإنما قد تفلح إجراءات عقابية يتم إنزالها بالفاعلين وتتناسب مع فداحة ما حدث من تهدئة الخواطر, وبهذا الصدد فإن الحديث الأمريكي عن توبيخ للفاعلين يثبت فقط التقاعس عن فعل شيء حقيقي وملموس ذي طبيعة عقابية رادعة.
ما حدث في سجن أبو غريب.. يجعل صورة الاحتلال، البشعة أصلاً أكثر بشاعةً وسوداويةً، فالاحتلال له سجلٌ حافلٌ بالانتهاكات وفظائع الأعمال وهو لا يحتاج إلى كوارث أخرى لإقناع العراقيين وأهل المنطقة أنه يتوجب عليه أن يرحل وأن يترك الشأن العراقي للعراقيين لأنهم على الأقل لن يسمحوا بأي حالٍ من الأحوال أن تتفشى مثل هذه الانتهاكات الخطيرة وسط مجتمعهم وهي ممارسات تخدش حياء المجتمع العربي المسلم وربما أريد لها أن تعمل بمثابة محفز للقيم اللا أخلاقية التي يريد لها البعض أن تنبت في التربة العراقية لتغيير طبيعة المجتمع وتحويله إلى مسخ مشوه لمجتمع لا أساس له ويفتقر للمبادئ والقيم.