أعجبني ذلك المنظر الذي رأيته يوم زار عدد من أبنائنا طلبة المدارس من مدينة الرياض مجلس الشورى أثناء احدى جلساته، حيث رأيتهم يجلسون على الكراسي المخصصة للضيوف في الشرفة المطلة على قاعة المجلس.
بدأت كاميرا تلفزيون المجلس الداخلية تنقل وجوه هؤلاء الأبناء الشابة وكنا نرى انعكاسات ما دار في تلك الجلسة من مناقشات حول موضوع مدرج في جدول الأعمال.
فكرت في تلك اللحظة بسؤال جال في خاطري وهو لماذا لا تضع وزارة التربية والتعليم برنامجاً خاصاً تتفق مع المسؤولين في المجلس لزيارات منتظمة لطلبة المدارس في جميع أنحاء المملكة لحضور بعض الجلسات والاقتراب أكثر من الاطلاع على الطريقة التي يتم بها ادارة المناقشات وتبادل الرأي، إن مثل تلك الزيارات التي تمت كانت ظرفية وانتهت دون تكرارها، وكنت أتمنى تتكرر هذه الزيارات، وأن تتاح الفرصة لجميع طلاب المدارس لنيلها سواء كانوا بنين أو بنات.. ففي المجلس امكانات لحضور المرأة وأماكن مخصصة للاطلاع على قاعة المجلس دون الاختلاط بالآخرين.
إن من أهداف هذه الزيارات تحقيق أهداف التنشئة الاجتماعية والسياسية للأبناء، ويطلعوا عن كثب على أنظمة البلاد وتطبيقاتها والتي منها نظام الشورى لكي يتشبعوا بهذه الفكرة، ويكتسبوا مفهوم وثقافة الحوار الشوري، كما يتم تعويدهم على كيفية المشاركة في اتخاذ القرار في الدولة.. والاطلاع عن كثب على طريقة المناقشات الشورية التي تتسم عن غيرها من التجارب البرلمانية بكثير من الصفات الحضارية الراقية مثل المناقشة الهادئة التي لا يشوبها انفعال أو مشادة كلامية بين الأعضاء، والانصات الى الآراء التي تؤيد موضوعاً ما والأخرى التي تعارض عن طريق طرح الرأي مع المبررات دون التجريح للشخص الآخر المعارض، والتعبير بحرية عن هذه الآراء التي يتفق الجميع أن هدفهم الوصول الى قرار يصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
هذا النموذج الحضاري في المداولات والمناقشات التي تجرى في المجلس هي التي تهدف الى ترسيخها في سلوكيات الأبناء، وأتمنى من الجهات التعليمية ان تنظم لقاءات، وندوات مصغرة لتعويد الشباب في المدارس على مختلف أعمارهم لممارسة هذا النوع من التطبيقات الشورية التي نبعت من ديننا الاسلامي، ويتعودوا على المناقشة الهادئة الجادة للوصول الى المعرفة، واكتساب المفاهيم الشورية لتصبح فيما بعد سلوكاً تلقائياً، يساعد النظام التعليمي على اعداد الابن الذي ينفع والابن الذي يتصف بالصلاح، والابن الذي لديه القابلية على احترام رأي الآخرين والتعايش على اختلاف الرأي، وهو جزء من سلسلة من الأهداف التي يجب أن تسعى الى تحقيقها الأنظمة التعليمية في بلادنا الغالية.
وأرجو ألا يُكتفى بالتعليم العام، فهذا المطلب ملح ويجب أن يطبق أيضا في مسؤولي التعليم العالي لكي تكتمل أهداف إعداد المواطن الصالح النافع في المنظومة التربوية بدءاً من المراحل الأولى وانتهاء بالمراحل التعليمية العليا.
(*)عضو مجلس الشورى
نائب رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي |