طريق الدعوة شاق وطويل وهذا يتطلب من الداعية أن يتزود بما يعينه على المسير في دعوته والصبر عليها وخصوصا أنه في زمن كثرت فيه الفتن والمغريات وتنوعت فيه أصناف الشهوات والشبهات، كما كثرت فيه حوادث الانتكاس والنكوص على الأعقاب إما بالإفراط أو بالتفريط.
وحتى يسير الداعية مطمئناً في دعوته وهانئاً في مسيره ثمة أمور معينة له منها أن تكون دعوته إلى الله تعالى خالصة صادقة قال صلى الله عليه وسلم(إنما الأعمال بالنيات) فلابد أن تكون الدعوة خالصة لله جل وعلا لا أن تكون في ظاهرها دعوة لله، وهي في حقيقتها دعوة لشخص أو جماعة، أو أن تكون -لا قدر الله- دعوة من أجل الرياء وحب الظهور والادعاء بالإنجازات في مجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن الأمور المعينة للداعية أن يستمر في سيره في طريق الدعوة أن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة فغالب من جانبوا الحكمة- وهي وضع الشيء في موضعه- تساقطوا في طريق الدعوة إلى الله وصاروا ذكريات عابرة ومنهم من لم يكن شيئاً مذكوراً، والدعوة إلى الله بالحكمة هي دعوة للناس أجمعين دون تفريق بل هي مهمة حتى مع الذين يُظن فيهم عدم قبول الهداية، فعندما أرسل الله جل وعلا موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام إلى أطغى الناس وأضلهم وهو فرعون قال الله لهما جل وعلا: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} قال الله هذا القول لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون ذلكم الذي ادَّعى الألوهية عندما قال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )، والربوبية عندما قال (أنا ربكم الاعلى )!!!، فالداعي اليوم ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر اليوم مهما بلغ ليس بأخبث وأطغى ولا أفسق ولا أجرم من فرعون.
وعلى الداعية أن تكون له نوافل يتقرب بها إلى الله فهي المعينة له لمواصلة طريق الدعوة كصلاة النافلة وصوم النافلة وتلاوة القرآن والصدقة والبر فلا بد للداعية من عبادة بينه وبين الله تقربه إلى الله وتعينه على مواصلة المسير الآمن المطمئن فقد سئل ابن مسعود -رضي الله عنه-: (نراك مقلاً في الصيام؟ قال: وجدت الصيام يتعبني ووجدت نفسي في الصلاة، فأنا أكثر منها)، وقال الذهبي: (انه لم يكن يترك صيام الاثنين والخميس والثلاثة أيام وهي البيض من كل شهر)، لاحظ هنا أن لا تثريب فمن يقوى على صيام التطوع فليصم ومن يقوى على صلاة الليل فليصلها، ومن يقوى على الذكر فليذكر ربه، وهكذا لا مشاحة ولا إلزام كما يظن البعض.
ومما يعين الداعية أيضا أن يواصل دعوته هي المحاسبة للنفس تلك المحاسبة التي تحث الخطى وتشد العزيمة وتوثق الانتماء العملي لا الشكلي للدعوة والدعاة، لا تلك المحاسبة التي توقف ركب الدعوة وتنقله من التفاؤل إلى القنوط، ومن العطاء إلى الجحود، وعن تلك المساءلة قال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الفاروق -رضي الله عنه- (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر..).
ومن المعين للداعية لمواصلة دعوته وهو ما أختم به وإلا فالموضوع ذو شجون هو أن يسأل الداعية الله ويتضرع إليه في كل حين الإخلاص والثبات والسير على نهج سيد الدعاة وقدوتهم صلى الله عليه وسلم مع الحرص على اغتنام أوقات وأماكن إجابة الدعوة، فالداعية بدون هذا الزاد في الواقع ليس له زاد إذا لم يكن له من الله معين ومسدد ومثبت وناصر قال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }.
|