* المدينة المنورة - الجزيرة:
رأى عدد من المشاركين والمشاركات في ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالسُّنَّة والسيرة النبوية) أن الظروف التي تصاحب انعقاد الندوة تستدعي الخروج بنتائج وتوصيات مهمة ترد بشكل قاطع، وجذري على الشبهات والأقاويل التي تستهدف النيل من الأمة الإسلامية وعقيدتها ومصادر تشريعها القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المطهرة، وهذا ما أظهرته التوصيات والبيان الختامي للندوة.
وطرحوا في تصريحات للجنة الإعلامية للندوة - مجموعة من الرؤى والأفكار حول السبل الكفيلة للرد على أعداء الإسلام الذين يستخدمون كافة الوسائل للنيل من الإسلام وأهله، داعين، في الوقت ذاته إلى مواجهة الأفكار المنحرفة والآراء المتطرفة التي تسيء لعقيدة المسلمين مصدر تشريعاتهم، وعزتهم وكرامتهم.
تصحيح المفاهيم
ففي البداية قال الدكتور حسن عزوزي عضو هيئة التدريس بجامعة القرويين بفاس في المغرب: لا شك أن دور علماء السُّنَّة في بيان وتوضيح السُّنَّة النبوية في تعامل المسلمين فيما بينهم قد تعاظم أكثر في الآونة الأخيرة ، حيث عرفت الساحة الدولية والعربية على وجه الخصوص كثيراً من حالات العنف والتطرف، وعندما يؤكد على أهمية دور السُّنَّة النبوية في تصحيح المفاهيم وإبراز حقيقة موقف الإسلام من قضايا العنف والتطرف فذلك لأن السُّنَّة النبوية تطفح بالتوجيهات والإرشادات السامية الكفيلة ببيان الموقف النبوي الحاسم في نبذ كل حالات العنف والتطرف.
وشدد على أن دور علماء السُّنَّة في هذا المجال يتجلى على وجه الخصوص في تذكير وتنبيه الناس على الأخص الشباب منهم ممن يغلب عليهم الحماس والاندفاع واستهوتهم التيارات المنحرفة والضالة بموقف السُّنَّة النبوية الواضح من مسائل العنف والتطرف . ولا شك أن الأحاديث النبوية ذات الطابع التوجيهي في هذا المجال كثيرة ينبغي على علماء الأمة التركيز عليها في الدعوة إلى نبذ العنف (حديث إن الله لم يبعثني معنفاً) والغلو في الدين حديث (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين) والتعسير (يسروا ولا تعسروا..) والتنطع ومجاوزة الحد في فهم الدين ومعطياته وأحكامه حديث (هلك المتنطعون، قالها ثلاثا).
وقال الدكتور عزوزي: ومما ينبغي على علماء السُّنَّة التنبيه عليه هو أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو قطب عظيم من أركان الدين لا يمكن إلى سفك الدماء وأي نهي هذا الذي يسبب الفتنة بين الناس ، إنه لا عنف تحت اية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك أن علماء السُّنَّة يتوجب عليهم أن يبينوا كيف مارس السلف الصالح مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيداً عن جلب المفاسد وفتنة الناس وتبرير سفك الدماء البريئة.
ترسيخ الوسطية
أما الدكتور خالد بن منصور الدريس عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود فقد رأى أن دور علماء السُّنَّة في مواجهة الفكر المنحرف لدى بعض المنتسبين للإسلام يمكن تحديده في الرد على أولئك بأسلوب مقنع داحض لشبههم، ويكون ذلك بالتركيز على بعض الأمور منها، بيان مواطن الانحراف عند أولئك بصورة محددة ومحررة ليعرف انحرافهم في ماذا، ثم بيان الأدلة من القرآن والسُّنَّة على مواطن انحرافهم عن المنهج السوي، والاهتمام بإظهار تناقضهم فإن من أعرض عن الحق وقع في التناقض ولابد، وإبراز ما يترتب على انحرافهم من لوازم فاسدة قولا وعملا، أيضا تأثرهم في أصول التفكير والاستدلال بأهل الأديان المحرفة السابقة على الإسلام والتشديد على أن يكون ما تقدم كله يتم بأسلوب علمي معاصر يخاطب فهم أولئك القوم وعقولهم من حيث الزمان والمكان.
وابرز الدكتور الدريس أن أعظم إسهام يمكن أن يقدمه علماء الأمة في ترسيخ الوسطية والاعتدال في المجتمعات الإسلامية يكون بنشر هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم تجاه الغلو والعنف، وهديه -عليه الصلاة والسلام- في ذلك يتمثل في اعتماد منهج الرفق قاعدة عامة:(إن الرفق ما وضع في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)، وشدته البالغة - عليه الصلاة والسلام - على أهل الغلو والعنف ولو كانوا من أهل العبادة والصيام وترتيل القرآن كما جاء في أحاديثه صلى الله عليه وسلم في ذم الخوارج، حيث لم تمنع صلاتهم وقراءتهم وعبادتهم من وقوعهم في الضلال بسبب غلوهم واتخاذهم للعنف منهجاً وسبيلاً، ولذا قال عنهم - عليه الصلاة والسلام-: (شر قتلى تحت أديم السماء).
التوازن مطلوب
من جهته قال عضو هيئة التدريس بجامعة محمد الخامس بالرباط- المغرب الدكتور فاروق حمادة أستاذ السُّنَّة وعلومها: إن الإسلام الذي جعله الله تعالى حياة وبناء ودواء للإنسان على امتداد العصور واتساع المكان هو كامل شامل متوازن فإذا ما ضخم بعض الناس جوانب منه على حساب جوانب أخرى فسيكون ذلك بمثابة تضخيم لعضو من أعضاء الإنسان على حساب سائر الأعضاء وهذا خطر عند جميع العقلاء وأخطر منه أن يكون الجهل بالإسلام كبيراً.
وأفاد أن علاج هذا وذاك أن يؤخذ الإسلام بتوازنه وشموله لحياة الإنسان ويقوم كذلك وواجب أهل العلم أن يقدموه على وجهه الصحيح كذلك دون تضخيم بعض منه على حساب أشياء أخرى . ويجب عليهم أن يضعوا كل باب من أبوابه في محله الصحيح، فالفرض لا يمكن أن يجعل سنة أو نافلة والسُّنَّة والنافلة لا يمكن أن تكون كذلك والحرام لا يكون حلالاً.
وقال الدكتور فاروق حمادة: فإذا قام أهل العلم بهذا وعرفوا به المسلمين وغيرهم ذابت الانحرافات وقمعت الانجرافات من الأفراد والجماعات، ويكون ذلك برامج منهجية تراعي الطبقات كافة للتعريف بالإسلام الحق ونشر هديه وأنواره وهذه الندوة- ندوة السُّنَّة والسيرة النبوية- بما ضمته من نخبة ممتازة محطة مهمة على طريق نشر الإسلام الصحيح وهديه العالي السمح، نسأل الله لها التمام والكمال.
الفكر المتشنج
وفي نفس السياق، قالت الدكتورة نورة بنت حسن قاروت وكيلة قسم الشريعة بجامعة أم القرى ان الفكر المنحرف فكر متشنج يمسك العصا من طرف واحد لا يقبل من يخالفه في رأيه وإن كان رأيه خطأ، فيخاصم ولا يكتفي بالخصام فيتحول إلى اللعن، ولا يكتفي بالسب واللعن فيتقبل من يخالفه في رأيه ومبادئه.
وأكدت أهمية أن يقوم العلماء والمفكرون الإسلاميون بتوضيح خصائص هذا الفكر بدراسة انحرافاته منذ ظهوره في طائفة الخوارج إلى امتداده في السنوات المتتالية، وبيان العوامل التي شكلته وجعلته وبالاً على الأمة، بل اشد خطراً عليها من أعدائها من المشركين واليهود والنصارى . وهنا يقوم العلماء باقتراح مواضيع علمية لطلبة الماجستير والدكتوراه بعضها تاريخي، وبعضها ميداني يحاورون من بداخل السجن ويحاورون أسرهم، ومدارسهم يجمعون منهم المعلومات، والبيانات لإخراج نتائج بحوث علمية تفيد الأمة في مستقبلها، ولا يكون الأمر مجرد خطب، ومواعظ، وشجب، وإنكار لا يقوم على دراسات دقيقة موثقة.
وفضلت الدكتورة نورة قاروت أن يقوم العلماء ببيان ما ورد في القرآن الكريم من تأصيل قواعد التعامل من الطرف الآخر، من أهل الكتاب كقوله تعالى في سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) سورة الممتحنة وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ َ}.
وأهابت بالعلماء أن يخاطبوا طائفتين من الشباب طائفة مجافاة بعيدة عن دينها، وواقع أمتها، وشؤون وطنها، وحاجات الدين ، يعيشون حياة اللهو، واللذات والتحلل من المبادئ، والقيم، والمثل وهذه الفئة مردها حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه- عندما بعثه الى اليمن فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: إني رسول الله، فإن هم أطاعوا لك ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لك ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، المتأمل لحال بعض المنتسبين إلى العلم، وكيف هم بعيدون تماماً عن هذا الحديث في دعوتهم للشباب لا يستنكر أبداً نفرة الشباب، ومجافاتهم للعلماء فهم يحدثون الشباب عن الدخان، وإسبال الازار، وإعفاء اللحية، والشباب لا يعرف الصلاة، ولم يستقبل القبلة.
أدب الحوار
أما الدكتورة فرحانة علي شويته عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر والأستاذ المشارك بقسم القرآن الكريم بكلية إعداد المعلمات بالرياض فقد طالبت علماء السُّنَّة أن يبينوا الفهم الصحيح للسُّنَّة وذلك بفهم أصول الإسلام وأولوياته والبعد عن التفريط والإضاعة أو الإفراط والغلو، وإظهار هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في سماحته ويسره، فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
وقالت: إن علماء الأمة يمكن أن يسهموا في ترسيخ الوسطية والاعتدال في المجتمعات الإسلامية من خلال بيان وسطية الإسلام في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ، وأن هذه الوسطية ميزة امتن الله سبحانه وتعالى بها على الأمة الإسلامية في قوله تعالى:{جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وبيان دعوة الإسلام إلى الحوار وإظهار أدب الحوار الذي تمتع به الرسول - صلى الله عليه وسلم- ونبذ الخلاف والدعوة إلى الألفة والمودة واليد الواحدة، والعمل على التوازن في ثقافة المجتمع المسلم، إظهار التوازن في أخلاقيات المجتمع المسلم، وعدم التعصب وبيان سماحة الإسلام.
تحصين الشباب
من جهتها حمّلت عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بالرياض الدكتورة حصة بنت عبد الكريم الزيد العلماء المسلمين مسؤولية ضخمة في الدفاع عن الإسلام في وجه المشككين فيه من أبنائه الذين قد يكونون تأثروا بالفكر الغربي أو جراء إحباطهم مما يعانيه العالم الإسلامي من تفكك واختلاف، وقالت: إن هذه المسؤولية تتمثل في قيام العلماء بتوضيح الوجه المشرق للإسلام، وبيان سماحته وتوسطه واعتداله إما بمقارنته مع العقائد الأخرى، أو بإيراد القصص التي تؤكد التسامح والاعتدال سواء في سيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام- أو سيرة الخلفاء الراشدين من بعده ، أو من خلال الحديث عن تاريخ الأمة الإسلامية المشرق الذي كان متسامحا ومزدهراً في أزمنة تاريخية سابقة.
وخلصت إلى القول: ولعل أهم مسؤولية يمكن أن يقوم بها هؤلاء العلماء الذين هم حصن الأمة الحصين هو في تأكيد أساليب الوقاية والحصانة الفكرية لشباب الأمة من الانحراف والأفكار المشككة في الإسلام وسماحته واعتداله، أو وراء الأفكار المتطرفة التي تسعى إلى إلغائه ، هذه الوقاية لا تتحقق إلا من خلال إعداد برامج منظمة تستهدف الشباب يتناولها العلماء بالحوار المقنع والمكاشفة الصريحة لجميع ما يمكن أن يعتري فكر الشباب من تشكيك أو تطرف.
|