Friday 7th May,200411544العددالجمعة 18 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شروط وضوابط الاستفادة منه في الدعوة إلى الله شروط وضوابط الاستفادة منه في الدعوة إلى الله
الإعجاز العلمي في السنة بين تطور العلم وثبوت النص

*كتب - مندوب الجزيرة:
يخشى البعض من تزايد عدد الدراسات الخاصة بجوانب الإعجاز العلمي في السنة بدعوى إمكانية أن يسيء التفسير العلمي المتغير بتغير العلم لقواعد السنة وأصولها الثابتة، في حين يرى البعض الآخر أن دراسات الإعجاز العلمي في السنة يمكن أن تساهم في تقديم السنة بلغة علمية يقبلها العقل الغربي، ويتفاعل معها بما يخدم الدعوة، فهل ثمة ضوابط يجب الالتزام بها عند تقديم مثل هذه الدراسات، وما هي مسؤولية المؤسسات العلمية والتعليمية الإسلامية في مراقبة الالتزام بهذه الضوابط؟ هذا ما نتعرف عليه من خلال هذا التحقيق.
بداية يقول د. الشريف حاتم بن عارف العوني عضو هيئة التدريس بقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة بجامعة أم القرى: لا يشك كل مؤمن أن السنة النبوية وحيٌ من الله تعالى، وأنها في كل ما أخبرت به حقٌ، وصدق، وهذا أمر لا يخالف فيه كل من عرف الحق بدليله، وإنما يخالف فيه مشبّه عليه، أو صاحب غرض سوء يقصد الطعن في دين الله تعالى.
ومن هنا يأتي الإعجاز العلمي في السنة (كما يسميه الأكثرون) والمقصود به أنه وجه من وجوه دلائل نبوة رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، ووجه دلالة تلك الأخبار على النبوة يأتي من جهتين، قد تتحقق الجهتان كلتاهما، وقد لا تتحقق إلا الجهة الثانوية.
الجهة الأولى: أن يكون في إخبار السنة بذلك الخبر العلمي سبق علمي لها، لا تفسير لهذا السبق إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، بأن نعلم يقيناً أو بغلبة الظن أنه يستحيل على البشر جميعاً في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يصلوا إلى تلك الحقيقة العلمية.
وبهذا يتضح أن هذه الجهة للدلالة العلمية على النبوة لا تتحقق إلا بشرطين:
الأول: أن يكون في ذلك الخبر سبق علمي، لأنه إن كانت تلك المعلومة معروفة قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- أو في زمنه (من غير أن تكون متلقاة عنه)، يبقى عند الشاك احتمال أن تكون مأخوذة عمن سبق النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ذكرها، فلا يكون فيها -لذلك- على النبوة داع لتطرق الاحتمال إليها عند المرتاب فيها.
الثاني: أن نوقن أو يغلب على ظننا أن الوصول إلى تلك الحقيقة العلمية لم يكن متاحاً في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم-، لا له- صلى الله عليه وسلم- ولا لغيره ممن كان في زمنه، عن طريق الجهد البشري والمعرفة الإنسانية، كالحقائق العلمية التي لم تكشف إلا من خلال الأجهزة الحديثة، التي يعلم العلماء أنه لولا تيسير الله تعالى لهم تلك الأجهزة لما توصلوا إلى تلك الحقائق، واشتراط هذا الشرط مهم، لأن أي حقيقة علمية، كان يمكن للمعرفة البشرية في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تصل إليها، من خلال معطيات المعرفة حينها، وآليات البحث في ذلك الوقت يمكن أن يدعي الشاك أنها مأخوذة من المعرفة البشرية، ويمكن أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلم- قد بحثها وتوصل إليها، أو أخذها ممن توصل إليها، وذلك يقطع صلتها بالوحي، فلا يكون فيها دليل على نبوته- صلى الله عليه وسلم-.
الجهة الثانية: أن نجمع كل الحقائق الكونية التي جاءت في السنة النبوية مما تحقق فيها السبق العلمي بالشرطين السابقين، وما لم يتحقق فيها السبق العلمي، بل نجمع في هذا السياق أيضاً ما نعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مسبوق إلى ذكره من أحد علماء الحضارات الأولى قبل الإسلام، أما وجه كون هذا الجمع دالاً على نبوته- صلى الله عليه وسلم- ، فيأتي من التقرير التالي: وهو أن ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم- من الحقائق الكونية كثير جداً، أخبر فيه عن مسائل علمية في علوم متنوعة ومتعددة، ومع كثرة تلك المسائل وتنوع علومها لم تخالف حقيقة علمية واحدة أبداً، على مدى أربعة عشر قرناً، ومع حصول الحضارة الحديثة، وما فيها من اكتشافات جديدة ومن وسائل للتثبت من صحة النظريات العلمية القديمة.
الدلائل العلمية
ولاشك أن في هذا وجهاً جديداً من دلائل النبوة، ولو لم يتحقق فيه السبق العلمي المشار إليه آنفاً.
ويصح أن يكون هذا إعجازاً أيضاً، من جهة أننا نتحدى أمم الأرض قاطبة وعلماء جميع الحضارات أن يأتونا بخبر نبوي صحيح عنه- صلى الله عليه وسلم- يخالف حقيقة علمية ثابتة مخالفة حقيقية، هذا تحد قائم وعلى العاجز الاعتراف بمدلوله، وهو أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خاتم الرسل.
ولا يشترط لهذه الجهة الشرطان السابقان للجهة الأولى، لما ذكرناه آنفاً من كونه هذه الجهة غير متعلقة بالسبق العلمي، ولكننا نشترط لهذه الجهة شروطاً أخرى، هي أيضاً شروط الجهة الأولى، وإنما أخرتها هنا لكونها شروطاً لكل ما يدخل تحت مسمى الدلائل العلمية من السنة النبوية على نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم- .
ويستطرد .د. العوني وهذا يظهر أهمية أن تقوم مؤسسات العلم (الحكومية وغيرها) بالعناية بإنشاء مراكز أبحاث لخدمة البشرية عموماً، ولخدمة هذا الجانب من دلائل النبوة، ولا يصح أن نبقى عالة على اكتشافات الغرب حتى في فهم بعض النصوص النبوية، شريطة أن يلتزم به الباحثون في هذا المجال بأمر، وهو ضرورة اعتمادهم على علماء الشريعة المتخصصين المعتبرين في مسائل العلوم الشرعية، كصحة الحديث وضعفه، وكتفسيره، وألا يقودهم العلم الذي تخصصوا فيه إلى أن ينسوا حقوق علماء الشريعة في تخصصهم، وأنه يجب ألا يُفتات عليهم وألا يعتدي على تخصصاتهم من غير المتخصصين فيها.
الوحيان ثابتان
أما د. فالح بن محمد الصغير الأستاذ بكلية أصول الدين بالرياض فيقول: بعث رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام في العرب، أمة الفصاحة والبيان والشعر والبلاغة، فكانت معجزته القرآن الكريم الذي تحداهم الله تعالى به رغم أنه كان أميا غير قارئ، ولا كاتب، ولم يكن شاعراً، فيزداد إعجازه إعجازاً، فحاولوا وصفه بالسحر والكهانة والشعر ولكنهم أقرب الناس إلى معرفة ما يقوله، وأنه لا صلة له بهذه الاتهامات التي لا يراد بها إلا صد الناس عنه، فكان القرآن الكريم المعجزة الكبرى ولا يزال إلى يوم القيامة.
ومع ذلك أيضاً فقد هيأ الله سبحانه معجزات تابعة لهذا القرآن العظيم، وفي سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بعض المعجزات التي تتكشف يوماً بعد يوم مع تطور الحياة وتقدم العلم فازداد انبهار الناس حديثا،ً ولذا لا غرو أن توجد هيئات ومؤسسات تهتم بهذه المعجزات ودراستها.
ويضيف د. الصغير: ولكن لا يجوز المبالغة في هذا الأمر كلما اكتشفت نظرية من النظريات في الفلك أو الطب أو نحوها نسارع ونقول هذا موجود في القرآن أو في السنة، فالوحيان ثابتان لا يجوز تعريضهما للخلط أو للغلط، ولا يجوز عسف نصوصهما لتتفق مع كل نظرية جديدة، فالأصل فيهما وفي إعجازهما الهداية والرشاد، وكل مناحي الإعجاز بعد ذلك تابعة لهذا الإعجاز الحقيقي.
ولذا يمكن أن يكون ضمن الضوابط الأساسية في دراسات هذا الإعجاز أن نعتمد على ما صح من السنة النبوية دون الضعيف والموضوع، ويكون فيما تحقق علمياً لا فيما فيه مجال للشك، كذلك يكون في قدرة الذي جاء النص فيه وفي معناه الواضح دون الحاجة إلى تأويلات بعيدة أو ليّ للنص النبوي عن معناه الظاهر.
وهنا يأتي دور المؤسسات العلمية في الجامعات والهيئات وغيرها لترعى مثل هذه الضوابط فتؤتي أكلها يانعة، حقائق لا مراء فيها، ولا شك، واضحة لاغموض فيها ولا التباس، سليمة لا نقص فيها ولا خلل.
خطر الاجتهاد الفردي
من ناحيته يؤكد د. إبراهيم بن حماد السلطان الريس عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود أن التأمل والنظر ومراجعة بعض أقوال أهل العلم حول الإعجاز العلمي في السنة النبوية المطهرة مع متابعة بعض مواقف المغرقين في تتبع مثل هذه المسائل، وبالنظر في بعض ما يتعلق به من عني بهذا الاتجاه يرى أن من أخطر ما يعرض للأمة في هذا العصر هو جناية بعض من ينسبون لدين الله عز وجل، وذلك من خلال اجتهادات فردية أو أعمال متعجلة غير قائمة على أسس من الدراسة والتخطيط والنظر والعلم الشرعي الرصين، وقد يقصد بعض أولئك بهذه الجهود رفعة الإسلام ومنفعته، إلا أن هذه الجهود العاطفية غير المدروسة ولا المنضبطة بضوابط الشرع، أو الجهود النابعة عن ضعف وانهزامية، أو الناتجة عن انبهار بما لدى الأمم الأخرى من رقي وتقدم أو شعور بالدونية والنقص، أو شعور باستعلاء الكافرين وسيطرتهم، فيتعلق أولئك بأحاديث الملاحم ويطبقونها على الواقع، ويعدون ذلك معجزات نبوية، مع أن الكثير مما يسوقه أولئك من الخبر الموضوع أو الضعيف جداً، فيعلقون الأمة ويربطون آمالها بمثل هذه الروايات.
ويضيف د. الريس: لهذا لا بد من إيجاد جهة علمية متخصصة معتبرة تتبنى التخطيط والمتابعة والمراقبة والإشراف على ذلك، وتتولى وضع ضوابط للحديث في هذه المسألة تفادياً للمخاطر المتحتمة من خلال التخبط الذي يشارك في الحديث حوله كل من هب ودب.
وقبل الحديث عن الضوابط الاجتهادية في ذلك لابد من التأكيد على حقيقة مهمة هي أن هناك نصوصاً قطعية الدلالة، وهناك حقائق علمية كونية قطعية، كما أن في النصوص ما هو ظني الدلالة، وفي العلم نظريات ظنية الثبوت، وأنه ما وقع في الظاهر فسببه ضعف البشر في التوفيق إما لعدم الوضوح في اعتبار قطعية أحدهما، أو غياب الفهم الصحيح للمراد من النص، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- كتاباً ضخماً لبيان هذا الأمر سماه (درء تعارض العقل والنقل).
أما أظهر الضوابط اللازمة لدراسة الإعجاز العلمي في السنة المطهرة فهي:
- أن تكون السنة ثابتة وقطعية الدلالة على المقصود.
- أن تكون الحقيقة العلمية قطعية.
- أن يتبنى العمل من كان مؤهلاً ممن رزقه الله علماً بالشريعة ونصوص السنة ولغة العرب، مع معرفة بالسنن الكونية ودراية بالحقائق العلمية، ومنع كل من هب ودب من الخوض في ذلك.
- أن ندرك أنه لا شك عندنا في ديننا، ولا في خبر نبينا- صلى الله عليه وسلم- ، وأنه عند التعارض فلا تردد في تقديم النص.
- أن يكون النص النبوي أصلاً، وما يوقف عليه من حقيقة علمية تابعاً له، فلا يخضع النص للحقائق العلمية التي توصل إليها الإنسان.
- ألا يعتقد أي باحث في هذا المجال أن فهمه للنص فهم صحيح قطعي، فقد لا يكون كذلك.
- ألا يفسر النص النبوي من خلال افتراض علمي أو بنظرية علمية، وهذه النظريات والفرضيات ظنية، ومعلوم أن الظنون تصيب تارة وتخطئ أخرى.
ضوابط مهمة
ويقول د. أحمد بن محمد الحميد الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الملك خالد: لا بد من اعتبار ضوابط عدة تحدد الكيفية التي يستدل بها المستدل بالسنة في مجال الإعجاز العلمي، ومن هذه الضوابط:
أولاً: أن يكون الحديث ثابتاً عن النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وقديما قيل: ثبت العرش ثم انقش، فإنه إذا ثبت الحديث جزمنا بنسبته إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وحينها نحتج به، وإنه لمن الخطأ البين الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الموضوع، لأننا نكون قد تكلفنا الاحتجاج بأمر لا تقوم به الحجة، وهذا فيه من الخطورة ما لا يخفى على الناظر فننسب إلى المعصوم- صلى الله عليه وسلم- ما ليس من كلامه.
ثانياً: فهم النص المراد الاحتجاج به، وهي خطوة تالية للخطوة السابقة، وذلك من خلال جمع رواياته والوقوف على اختلاف ألفاظه ودلالاته، ومناسبته، وما فيه من تقييد وإطلاق أو خصوص وعموم، وانطباق ما فيه انطباقاً تاماً على ما يحتج به، مع فهم كلام الشراح لهذا الحديث، فإذا تخلف شيء من هذا فحينها نكون قد أسأنا ونحن نريد الإحسان.
ثالثاً: الاقتصار عند الاحتجاج بالسنة في هذا المجال على ما يمكن إثباته بالتجربة أو انطباق الواقع عليه، دون الاقتحام لعالم الغيب الذي لا نعرفه إلا عن طريق الوحي، والذي لا يجب على المرء فيه إلا التسليم والإيمان، فلا يكون هذا سبيلاً إلى الكلام على الله بغير علم، أو ضرب الأحاديث بعضها ببعض، أو رد بعض الأحاديث لأنها تنافي الحقائق العلمية، ويحضرني هنا من طعن في حديث سجود الشمس تحت العرش عند غروبها بناء على أن الشمس في حالة شروق مستمر على الأرض، وهذا ليس بصحيح لأن العرش لم نعرفه إلا عن طريق الوحي، فإثبات شيء يتعلق به أو نفيه لا يكون إلا عن طريق الوحي، فالسجود الوارد أمر غيبي يتعلق بأمر غيبي.
رابعاً: التعامل مع الأحاديث وفق الحقائق العلمية الثابتة لا مع النظريات التي هي عرضة للتبديل والتغيير وحلول أخرى مكانها مع أن الحديث لا يدل عليها.
وهذا لايكون إلا من قبل المختصين في السنة وعلومها والرجوع إلى أولي العلم وعدم ترك المجال للتعامل مع هذا الأمر لكل مهتم بالدعوة إلى الله جل وعلا مع قلة بضاعته في العلم الشرعي، وإن كان مختصاً في أي من العلوم التجريبية والتطبيقية.
مشروع الإعجاز العلمي
ويؤكد د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران أن من الأفكار التي تؤصل مشروع الإعجاز العلمي في السنة النبوية، الحديث عن الضوابط العلمية المنهجية التي ينبغي الالتزام بها قبل البدء في البحث، وهذه الضوابط يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- التسليم المطلق للرسول- صلى الله عليه وسلم-: فقد أرسل الله تعالى نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم- هادياً وبشيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنطقه بالحكمة وفصل الخطاب، فقال- صلى الله عليه وسلم- : (أوتيت جوامع الكلم) (متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه)، ونظراً لأن رسالته -صلى الله عليه وسلم- وأساسها القرآن الكريم كلام الله سبحانه -ليست محدودة بجنس معين، ولا بزمن معين، ولا بمكان معين، بل هي رسالة عامة شاملة خالدة إلى قيام الساعة، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فإن من مقتضيات ذلك أن تكون سنته خالدة كذلك، وعامة، وشاملة، لأن السنة شارحة للقرآن ومتممة لتشريعاته.
وبهذه النظرة إلى السنة الشريفة، لا يبقى مجال لمن يدعي أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض لأمور علمية حديثة حدثت بعده، ولا يمكنه ذلك، لأن زمانه يختلف عن زماننا، فقد كان أصحابه- رضي الله عنهم- يقفون من سنته بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم- موقف التسليم المطلق دون شك، أو مراجعة، ففي الأمور الغيبية مثلاً، قال حذيفة رضي الله عنه: حدثنا صلى الله عليه وسلم بحديثين رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر.. الحديث.. رواه مسلم.
ومن الناس من يظن أن سنة النبي- صلى الله عليه وسلم- لا تتعرض للاكتشافات العلمية الحديثة، لأن رسالته خاصة بالأمور العبادية والتشريعية، لا العلمية والطبية، وما ورد عنه من ذلك، فهو من باب الظن لا القطع، ومن قبيل الرأي الخاص لا التشريع العام.
وهذا خطأ منهجي في فهم المدى الموضوعي للسنة النبوية، فأقواله- صلى الله عليه وسلم- إنما تصدر عن وحي يوحى، قال سبحانه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وهذا يفهم بتصور المسؤولية العظيمة التي كان يتحملها النبي- صلى الله عليه وسلم-، ويشعر أنه مراقب من الله تعالى في كل لفظة تصدر منه، قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}، صحيح أن بعض اجتهاداته- صلى الله عليه وسلم- كانت من قبيل السياسة الشرعية كحاكم للأمة، ولكن ذلك لا يشمل السنة المتعلقة بالأمور الغيبية، أو الطبية التي اكتشفت بعده، لأنها مما لا سبيل لعلمه به، إلا عن طريق الوحي، ويرجع في ذلك إلى أنواع وأحكام أفعاله- صلى الله عليه وسلم- المختلفة في كتب الأصول.
2- صحة الحديث: فلا بد من صحة السند والمتن ليثبت النقل عنه- صلى الله عليه وسلم-، فقد كان أسلافنا الصالحون- رحمهم الله- يقولون: بيننا وبين القوم القوائم - أي الأسانيد- وقال محمد بن سيرين- رحمه الله-: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
3- أهلية المتحدث في الإعجاز: فمن المعلوم أن هذا العصر عصر التخصصات العلمية، وأصبح من المجازفة أن يتحدث المتخصص في علم من العلوم في فرع من تخصصه لم يدرسه بشكل كاف، فضلاً عن علم مستقل آخر.
4- ألا يكون الحديث محدداً بزمن معين، أو مقصوداً فيه شخص أو فئة معينة، لأن ذلك يمنعه أن يكون عاماً لجميع الناس، ولجميع الأزمان، فلا تثبت فيه المعجزة العلمية المستمرة، فالأمر بالسواك، والعلاج بالحبة السوداء، وغسل الآنية من التراب مع الماء بعد ولوغ الكلب، كل ذلك من الأحاديث العامة التي يمكن ظهور وجه الإعجاز فيها.
ولكن حديث وضع الغصنين من الشجرة على قبر اثنين من الصحابة، وقوله: (لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) حديث خاص، بدليل أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يفعله مع غيرهما، فلا تثبت به سنة عامة، وبالتالي لا حاجة للبحث عن الإعجاز العلمي فيه.
كما أن الشرب من أبوال الإبل أمر به- صلى الله عليه وسلم- لفئة خاصة، كانت تحتاجه لا أنه مفيد لجميع الناس يشربونه.
5- تطبيق الضوابط المشتركة التي يجب تطبيقها في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، كثبوت النظرية العلمية لدرجة الحقيقة، لئلا يتشكك الناس في صدق الحديث النبوي الصحيح، واحتمال اللفظ العربي لهذه الحقيقة، فإن القرآن والسنة كلاهما من مصادر اللغة العربية، ولا يجوز تفسير ألفاظهما بغير اللغة العربية، وإدراج الإعجاز العلمي في السنة تحت الهدف الأكبر للرسالة النبوية، وهو هداية الناس إلى الله تعالى، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يبعث ليكون طبيباً أو فلكياً، أو مهندساً.
ويضيف د. الحميدان: وفيما يتعلق بدور المؤسسات التعليمية والعلمية في مراقبة الالتزام بهذه الضوابط يجب على هذه المؤسسات ضرورة تأكيد الاعتماد على الأحاديث الصحيحة، ونشرها، وتجنب نشر الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي كثر انتشارها في الآونة الأخيرة، ودعوة العلماء والمختصين لوضع ضوابط البحث في الإعجاز العلمي في السنة على أن تقوم وزارات الشؤون الإسلامية بالعالم الإسلامي بمراقبة للإصدارات الإعلامية والعلمية المتعلقة بهذا الجانب، وإصدار كتاب منهجي يحتوي على الإعجاز العلمي في السنة النبوية تأصيلاً، وتقعيداً، وتمثيلاً، مع الاهتمام بربط الأحاديث بأسبابها من خلال السيرة النبوية، ليوضع كل حديث في موقعه الصحيح.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved