في كلمة سابقة بهذا المكان وقبل أسبوعين بالذات وعلى أثر التجاوب الفعلي لتحرك المملكة العربية السعودية بعد مشاورات مع بعض القادة الأشقاء العرب حذرت هذه الجريدة في نفس المقال من أن اليسار العربي لن يكف -ولو مؤقتا - عن تعكير الأجواء العربية وخلق المعارك الجانبية لاصطناع الخلافات الداخلية في البلدان العربية، حذرنا من ذلك ونحن على يقين مما توقعناه.
ولم يمض على ذلك التحذير أسبوع واحد الا وقد تبين ما بيتوه من مؤامرة قدر الله لها الفشل في المغرب العربي المسلم، أرادوا خلق الفتنة في ذلك البلد المكافح، وأرادوا إشغال العالم العربي وتوجيه أنظار شعوبه إلى الفتنة التي أرادوا لها أن تكون حمراء لولا يقظة شعب المغرب وجيشه والتفافهم حول مليكهم إلى أن واروا جميعهم ما بيته الخونة فخاب ظنهم وانتصر الخير على الشر.
وعندما واصل المبعوثان السعودي والمصري أعمالهما لتذويب الخلافات القائمة بين الأردنيين والفدائيين إلى أن كادا يبلغان ذروة القضاء على آخر بذرة من بذور الفتنة العمياء تمهيدا لحشد الجهود المشتركة وتكتيل القوى في مواجهة العدو الذي ساءه بل راعه أن يتنبه القوم للحد من الاقتتال المستمر بين الاخوة لأنه يعلم حقا أنه لو نجحت المحاولات في تحقيق الأهداف المقصودة من احلال الوئام محل الخصام لتوجهت جميع الطاقات ولاستغلت جميع الحشود البشرية والمادية فيما ينفع المصير العربي واذلال الأعداء الذين وجدوا في خلافات الشعوب العربية الممثلة في الاقتتال المتواصل بالأردن وتفجير الفتنة في المغرب متنفسا لضائقتهم وأملا في استقرارهم.
فالصهيونية تعمل على غرس المذاهب المختلفة والتيارات المتناقضة في مجتمعنا العربي ما دامت تجد العملاء الذين يخدمون قضيتها وأهدافها المريرة لزعزعة الأمن والإيمان وارباك الأمة العربية عن مواصلة البناء والانماء.
ولكن مَن لنا بمَن يستطيع قولة الحق لتخطية الجانحين عن المنهج السوي، إننا في حاجة إلى من يحكمون المنطق والعقل ولا يذعنون للمغالطات ومشايعة الوالغين في برك الدماء.
والا فكيف يجرؤ رئيس دولة أن يطلق التصريحات الهوجاء ويستنفر الجيوش ولو حتى كذبا وهراء بقاذفاته وصواريخه استعدادا لمهاجمة المغرب العربي المسلم، ومع هذا فلا يوجد من بين أمة العرب من يشجب هذا الادعاء ولماذا -ولو أنه غير جاد - لا يوجه ذلك الوعيد والتهديد لقوات الأعداء الرابضة على شرق القناة، ولكن عقدة الزعامة اليتيمة لا يحلها إلا توجيه الحقد لمن يترفع حتى عن مجرد الرد بمثل التهريج المبتذل، فالمغرب بمقدراته ومدارك قادته يثير هذا التهديد سخريتهم أكثر من غضبهم لأنهم يعرفون أبعاده القصيرة. لم يعد المفكرون في الأمة العربية قادرين على تصحيح المفاهيم بعد أن أعقب نكبة عام 1948 نكسة 1967م حيث كانت فترة ما بين المأساتين مجال اخصاب لأدعياء الزعامات المشبوهة، وكاد أن يكون مقبولا ما بين النكبة والنكسة اختلاط المفاهيم غير أنه ما بعد الأخيرة أصبح من غير المقبول اطلاقا أن يمعن أبناء هذا الجيل في تجاهل المغالطات أو الاصغاء إلى التهديدات ما دامت اسرائيل تحتل ثلاثة أثلاث أراضي وممتلكات دول المواجهة.
فهل كوهين لا يزال حقيقة يعمل لاستنفاد طاقات أمتنا وقد كنا نتصور ما قيل عنه ليس إلا من قبيل الأساطير.
|