وما زلت مع الأستاذ جاسر الجاسر في زاوية أضواء، التي أضاءت بكل الحقائق التي لم نكن نتمنى قراءتها لأننا لا نتمنى حدوثها، ولكن هي الحقيقة ولا شيء غيرها، وما زال الأمريكيون يبرزون مظاهر الديمقراطية المزعومة التي حملوها من وراء المحيطات ليجعلوها واقعا على أرض العراق الحزينة التي ما برحت تئن تحت وطأة الظلم والقهر والبطش سابقا ولاحقا.
وهذه هي الفلوجة وأخواتها بعقوبة والرمادي يتعقبون خطى الأخت الكبرى (جنين) ويقاسمونها الويلات والمجازر والدماء {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ها هي الفلوجة تنادي بأعلى صوتها:
أيها العرب ألا من ناصر
يمتطي العز ويسعى للظفر
ما لكم قد أجدبت قواتكم
وغدت تسقط في تلك لحفر |
ولا أدري والله إلى متى سيستمر هذا السقوط المهين، وإلى أين نحن سائرون، وما الذي يجري، وما هذه الأحداث الدامية، وما هي نتيجتها؟ هذه الأحداث الأليمة تجعل العقول مذهولة والقلوب مفطورة والنفوس حيرى، ونحن وإن كنا نعلم مضمون هذه الآية الكريمة ومؤداها {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} إلا أننا لن نظل متفرجين إلى أن تستيقظ الهمم وتدرك الأفهام أنه حان وقت العودة إلى الصواب، لا.. بل سنقول ما بوسعنا قوله وسنعمل جاهدين صابرين، حاثين أفراد وقادة أمتنا الكبرى بالالتفات إلى أنفسهم وإنقاذها من براثن الوهن والتخلف والانحدار.
إن ما يحدث في الفلوجة وأخواتها وقبله في جنين وأماكن أخرى من العالم الإسلامي لا يرضي أصحاب العقول المنصفة والفطر السليمة، وهي والله المأساة الحقيقية كونها تحدث من قوم يدعون نشر الحرية في العالم ويزعمون أنهم روادها الذين حملوا على عاتقهم هذه الرسالة التي تبنوها زورا وبهتانا، فليس من الحرية أبدا أن يعتدى على شعب في عقر داره ويقتل أفراده العزل، وليس من الديمقراطية الاستيلاء على بلد مستقل عضو في هيئة الأمم المتحدة وله كافة الحقوق التي تتمتع بها البلدان الأخرى، مهما كان السبب، سواء كان نزع أسلحة الدمار الشامل أو إسقاط نظام فاسد أو أي شيء آخر، لا مبرر أبدا لزعزعة الأمن وإثارة الفوضى والفتن والقلاقل، بل وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة التي ليس لها ذنب ارتكبته ولا جرم اقترفته إلا رفضها للذل والإهانة والاستعباد.
إننا ونحن نعايش هذه الأحداث المؤسفة ليعتلينا الحزن لما يحدث لاخوتنا في العراق وفلسطين، ويعترينا الأسف الشديد لهذا الصمت الرهيب للعالم أجمع، الكل جبن عن مجرد استنكار أو شجب باللسان، وقد تهاوت القوى كلها أمام بطش وغطرسة الأمريكان الذين ما فتئوا يهددون المعارضين لسياستهم من القوى الأخرى بسلاح المصالح او بتأليب الشعوب فتخدر بذلك الكل وانهزموا وافتضحت مزاعمهم بالصداقة والوقوف مع الحق. ومع ذلك نقول: لابد للظلم من نهاية ولا بد للعدل أن يقام ولابد للسلام أن يعم، لأن هذا هو الخيار الاستراتيجي للشعوب أجمع ولأنه قبل ذلك سنة من سنن الله في الكون { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر.
لقد عاش من عاش وبطش من بطش على مر التاريخ وذهب الكل وبقي الحق والعدل {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}، وكلما احلولك الظلام فإن ذلك إيذانا بقرب الضياء.
يا أمتي نفسي يداعبها المنى
فمتى تتوج غصنها الأوراق؟
ومتى نولي وجهنا نحو الهدى
فالقلب منا للهدى يشتاق؟
والليل مهما طال في ظلماته
لابد يعقبه غدا إشراق |
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. والله الموفق،،
حمد بن عبدالله العيسى
شركة الاتصالات - مركز العناية بالعملاء |