في أحايين كثيرة تقرأ ما خطه يراع بعض الكتاب وتتمنى لو أن هذا هو دفق يراعك، ومن هذه الكتابات ما نشر في صفحة الرأي بجريدة الجزيرة العدد 11529 ص 31 بقلم الأخت العنود بنت عبدالله في رثاء الدكتور عبدالسلام بن برجس العبدالكريم - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته - وكانت الأخت مسددة في كل ما ورد على لسانها بحق المغفور له بإذن الله، ذلك أن جميع ما ذكرت من مناقب وصفات حسنة وخلق عظيم وتواضع جم وذكاء متوقد ونور يشع من وجوه أصحاب الفضائل والطاعات يأسر كل من سعد بلقياه، وهذا لعمري فضل من ذي الجلالة عظيم.
أما ما ذكرت من أن أسرة العبدالكريم أهل فضل وخلق، فبعد شكري لها على هذا الإطراء، فصحيح أن المرحوم - بإذن الله - مثل أسرته أحسن تمثيل وشرفها وشرف بلده، وفي فقده خاصة وأنه في أوج الشباب والعطاء ثلمة عظيمة لبلاده معقل الإسلام وحصنه الحصين، ونتمنى أن يكون في اخوته خير خلف لخير سلف، وهم بإذن الله كذلك، وننتظر أن يعوضنا الله بمنه وكرمه بمثله، ونسأل الله أن نكون كأسرة وأن تكون كل الأسر في هذه البلاد الطاهرة أهل فضل وخلق، وأن يجنب الله بلاد الحرمين الشريفين ومثوى أطهر وأكمل خلق الله - صلى الله عليه وسلم - كل سوء، وأن يكشف الغمة ويحبط كيد الأعداء والأشرار، وأن يديم على هذه البلاد أمنها وعزها ورخاءها ويحفظها وأهلها والمقيمين على ثراها من كل مكروه.
بقي لي عتب أخوي صغير على الكاتبة، حيث ذكرت أثناء سياق الحديث عن مناقب الشيخ عبدالسلام - رحمه الله - أن أسرة العبدالكريم من قرية حرمة القريبة من مدينة المجمعة، وأعلم تمام العلم أن مقصدها شريف ونبيل، وكل كلامها جميل أخاذ، وللحقيقة فقط فحرمة اليوم مدينة عامرة وفيها كل ما تحتاج إليه المدن الصغيرة، فالكهرباء والهاتف والمياه والمدارس والشوارع والفلل السكنية الجميلة تغطي مساحات كبيرة، بل إنها تتمتع بموقع استراتيجي، حيث يشطرها الطريق الدولي الذي يربط المملكة بدول الخليج العربي جنوباً مروراً بالعاصمة الرياض وبلاد الشام وتركيا وأوروبا شمالاً إلى نصفين، فأصبحت مدينتين لا مدينة واحدة، اضافة إلى الأم الأثرية، فحرمة الأصل، وقد بنيت قبل تسعمائة عام وتحيط بها بساتين النخيل إحاطة السوار بالمعصم، وعلى ذكر كلمة (قرية) دعيني أيتها الأخت الفاضلة أذكر لك حادثة مرت بي قبل قرابة الثلاثين عاماً عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة الأمريكية. كنت في مجلس أتبادل الحديث مع أبناء تلك البلاد وورد على لساني أنني أثناء تنقلي بالسيارة بين ولاية وأخرى مررت بقرية وادعة جميلة اسمها كذا، فغضبوا علي ونبهوني إلى أن التعبير قد خانني، فلا يوجد في أمريكا بأكملها ما يسمى بالقرية، وعندما هدأت خواطرهم واعتذرت لهم، سألتهم عن سبب عدم وجود مسمى قرية في قارة أمريكا الشمالية قالوا لي لأن كل مدينة صغيرة تتوافر فيها كل الخدمات الضرورية الموجودة في المدن الكبيرة، بل أضافوا متباهين أن مخلفات يوم في مدينة صغيرة يكفي ليقتات منه سكان مدينة كبيرة في احدى الدول الكبيرة والفقيرة، الآن والحمد لله والمنّة جميع مدننا الصغيرة تحظى بمقومات المدن الكبيرة وترتبط معها بطريق حديثة وسريعة ومطارات. فهذه هي حرمة يا أختي الفاضلة وهي واحدة من مدن بلادنا الجميلة الوادعة.
عثمان بن عبدالمحسن العبدالكريم المعمر |