في مثل هذا اليوم 16 ربيع الأول من عام 1388هـ، توفي الأديب المصري الكبير أحمد حسن الزيات، أحد أئمة اللغة والبيان في الأدب العربي، وصاحب مجلة الرسالة المعروفة.شهدت مصر في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري نهضة أدبية وفكرية، شملت كل فنون الأدب وألوان الفكر، وكان أحمد حسن الزيات واحدًا من رواد هذه النهضة التي أثرت الثقافة العربية، ببيانه الصافي، وأسلوبه الرائق، ولغته السمحة، وبإصداره مجلة (الرسالة) ذات الأثر العظيم في الثقافية العربية.
تعلم الزيات القراءة والكتابة، وأتمّ حفظ القرآن الكريم وتجويده وهو في الخامسة من عمره، ، ثم أرسله أبوه إلى أحد العلماء في قرية مجاورة، فتلقى على يديه القراءات السبع وأتقنها في سنة واحدة.
والتحق بالأزهر وهو في الثالثة عشرة من عمره، وظل به عشر سنوات، تلقى أثناءها علوم الشريعة والعربية، غير أن نفسه كانت تميل إلى الأدب، فانصرف إليه كليةً.وفي تلك الأيام اتصل بطه حسين، ومحمود حسن الزناتي، وربطهم حب الأدب برباط المودة والصداقة ولم يستكمل الثلاثة دراستهم بالجامع الأزهر، والتحقوا بالجامعة الأهلية التي فتحت أبوابها للدراسة في سنة (1329هـ - 1908م) وكانت الدراسة بها مساء، وتتلمذوا على نفر من كبار المستشرقين الذين استعانت بهم الجامعة للتدريس بها، من أمثال: نللينو، وجويدي، وليتمان.
وكان الزيات في أثناء فترة التحاقه بالجامعة يعمل مدرسًا بالمدارس الأهلية، وفي الوقت نفسه يدرس اللغة الفرنسية التي أعانته كثيرًا في دراسته الجامعية حتى تمكن من نيل إجازة الليسانس سنة (1331هـ - 1912م).
التقى الزيات وهو يعمل بالتدريس في المدرسة الإعدادية الثانوية في سنة (1333هـ - 1914م) بعدد من زملائه الذين كانوا بعد ذلك قادة الفكر والرأي في مصر، مثل: العقاد، والمازني، وأحمد زكي، ومحمد فريد أبو حديد، وقد أتيح له في هذه المدرسة أن يسهم في العمل الوطني ومقاومة المحتل الغاصب.
وظل الزيات يعمل بالمدارس الأهلية حتى اختارته الجامعة الأمريكية بالقاهرة رئيسًا للقسم العربي بها في سنة ( 1341هـ - 1922م)، وفي أثناء ذلك التحق بكلية الحقوق الفرنسية، وكانت الدراسة بها ليلاً، ومدتها ثلاث سنوات، أمضى منها سنتين في مصر، وقضى الثالثة في فرنسا حيث حصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس في سنة (1344هـ - 1925).
وظل بالجامعة الأمريكية حتى اختير أستاذًا في دار المعلمين العالية ببغداد (1348هـ - 1929م) ومكث هناك ثلاث سنوات، حفلت بالعمل الجاد، والاختلاط بالأدباء والشعراء العراقيين، وإلقاء المحاضرات.
بعد عودة الزيات من بغداد سنة (1351هـ - 1933م) هجر التدريس، وتفرغ للصحافة والتأليف، وفكّر في إنشاء مجلة للأدب الراقي والفن الرفيع.
وفي (18 من رمضان 1351هـ - 15 من يناير 1933) ولدت مجلة الرسالة، قشيبة الثياب، قسيمة الوجه، عربية الملامح، تحمل زادًا صالحًا، وفكرًا غنيًا، واستقبل الناس الوليد الجديد كما يستقبلون أولادهم بلهفة وشوق؛ حيث كانت أعدادها تنفد على الفور.وكانت المجلة ذات ثقافة أدبية خاصة، تعتمد على وصل الشرق بالغرب، وربط القديم بالحديث، وبعث الروح الإسلامية، والدعوة إلى وحدة الأمة، وإحياء التراث، ومحاربة الخرافات، والعناية بالأسلوب الرائق والكلمة الأنيقة، والجملة البليغة.
وقد نجحت الرسالة في فترة صدورها، فيما أعلنت عنه من أهداف وغايات، فكانت سفيرًا للكلمة الطيبة في العالم العربي، الذي تنافس أدباؤه وكُتّابه في الكتابة لها، وصار منتهى أمل كل كاتب أن يرى مقالة له ممهورة باسمه على صفحاتها، فإذا ما نُشرت له مقالة أو بحث صار كمن أجازته الجامعة بشهادة مرموقة؛ فقد أصبح من كُتّاب الرسالة.
وأفسحت المجلة صفحاتها لأعلام الفكر والثقافة والأدب من أمثال العقاد، وأحمد أمين، ومحمد فريد أبو حديد، وأحمد زكي، ومصطفى عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي الذي أظلت المجلة مقالته الخالدة التي جُمعت وصارت (وحي القلم).
وربت الرسالة جيلا من الكتاب والشعراء في مصر والعالم العربي، فتخرج فيها: محمود محمد شاكر، ومحمد عبد الله عنان، وعلي الطنطاوي، ومحمود حسن إسماعيل، وأبو القاسم الشابي، وغيرهم، وظلت المجلة تؤدي رسالتها حتى احتجبت في (29 من جمادى الآخرة 1372هـ - 15 من فبراير 1953م).
|