المكرم سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة..
الأستاذ خالد بن حمد المالك - حفظه الله- ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
في البداية أقدم لكم ولوطني الحبيب آخر التعازي.. جراء هذا الحادث الإجرامي الأليم الذي استهدف الأمن والوطن.. عندما قامت فئة ضالة مارقة بتفجير مبنى (الإدارة العامة للمرور).. نسأل الله أن يحفظ لنا قادتنا وبلادنا.. وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم.. -إنه سميع مجيب-.. والسلام.
وكعادتها قامت (الجزيرة) بتغطية كاملة لتلك الأحداث الإجرامية المؤلمة التي تعرضت لها مدينة الرياض.. عندما قامت أيدي الغدر والخيانة.. بتفجير مبنى الإدارة العامة للمرور.
وتفاعلاً مع هذا الحدث المؤلم أعرض بين يدي القارئ الكريم عدداً من الوقفات اليسيرة حول هذا الحدث:
الوقفة الأولى:
وقفة مع الدعاء.. بأن يحفظ الله لنا ديننا وأمننا وولاة أمرنا.. وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه.. آمين.
الوقفة الثانية:
مع بعض الأسباب والدوافع وراء تلك الجرائم والأفكار.. لا شك أن لكل شيء سبباً.. وأسباب ذلك كثيرة ولعل من أهمها الابتعاد عن دين الله.. منهجاً.. وفكراً.. وسلوكاً.. ومن ذلك العزوف عن العلماء الربانيين الذين يفسرون الكتاب والسنَّة على مراد الله ورسوله- صلوات الله وسلامه عليه- واستبدالهم بأنصاف العلماء بل ممن ليس منهم في شيء.. ومن الأسباب الغلو في الاعتقاد والأقوال والأفعال.. وكذا اتباع الهوى.. والغلو المفرط في الأشخاص الذين ربَّما حسّنوا الباطل.. وانحرفوا عن جادة الصواب.. واستقلوا وانفردوا بآرائهم الشاذة.. ومفاهيمهم الخاطئة.. بل وتعمدوا الوقوع في أعراض المخالفين لهم من العلماء والدعاة.
ومن الأسباب أيضاً.. تعدد مصادر التلقي بأنواعها والاستعداد لسماع الأخبار من كل جانب وعدم التثبت من شرعيتها.. وقائلها.. وعدم التبوء بنتائجها.. وما عسى أن تعود به من آثار لاحقة.. والله سبحانه تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.
الوقفة الثالثة:
مع بعض آثار هذه الأحداث المؤلمة ومنها:
- تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
- وجود الكثير من المعوقات تجاه الدعوة الإسلامية.
- التسبب في تسلط الأعداء على المسلمين.. والتنكيل بهم وحرمانهم الكثير من الحقوق سواء أكانت دينية.. سياسية.. اجتماعية.. إلخ، ليستغلوا ذلك بحجة أن هذه الأفعال (الفردية) الشاذة مسحوبة على الإسلام والمسلمين.
- كما أن في ذلك اضطراباً للأمن.. وإشاعةً للفوضى.. وخروجاً على إمام المسلمين.. وافتيات على السلطة وحسبنا ما في ذلك من الآثم الكبير.. والخطر العظيم.. والأدلة على ذلك كثيرة ومعلومة ولما ينتج عن ذلك من قتل الأنفس وهدر الأموال والممتلكات والإفساد في الأرض، فضلاً عن إزعاج الناس وترويع الآمنين وقد يترتب على ذلك نشوء الأحزاب.. والجماعات ما يكون سبباً في التأثير على وحدة الصف.. وجمع الكلمة التي هي من لوازم الانتماء لهذه البلاد المباركة.
الوقفة الرابعة:
مع شيء من الحلول وفي البدء لابد من التأكيد على أن المسئولية تقع على الجميع كلٌّ فيما يملك وعلى قدر ما يستطيع.. والحلول كثيرة تختلف باختلاف أحوالها وتتفاوت حسب الأهمية وما تقتضي به الحال وتتسع هذه الحلول لتشمل عدداً من الجوانب ومنها:
- الجانب الديني: ويتناول الكثير من المهام والمسئوليات.. كخطبة الجمعة.. وإقامة الدروس والندوات والمحاضرات المعنية بمحاربة البغي والإفساد في الأرض (الإرهاب).. بالتوضيح والتحليل.. ووضع الخطط للقضاء على هذه الأفكار الضالة والمضللة ومن خلال التعاون مع وسائل الإعلام والجهات المعنية.
- الجانب التربوي: بحيث يدرك القائمون على التربية والتعليم خطورة مثل هذه المزالق.. والانحرافات.. عبر التركيز على المتابعة.. والتشخيص وانتقاء العلاج (السلوكي والمعرفي) للقضاء على تلك الأفكار الشاذة.. والانحرافات الخطيرة.. والتصدي لها.. مما يكون سبباً في إعداد النشء تنشئته.. إيجابية صالحة.. ونافعة.. مخلصة لله ثم للدين والوطن.. مع استغلال مواد التدريس لربطها بواقع الحال، وفتح باب الحوار بين المعلم والطالب.. مع الحرص على توضيح الرؤى الغامضة.. وتصحيح المفاهيم الخاطئة سيما مع تعدد مصادر التلقي.. ووسائل التأثير.. مع الاهتمام والتواصل بين البيت والمدرسة.. وتفعيل مجلس الآباء والمعلمين.
كما أن للأنشطة اللامنهجية دوراً مهماً في تأصيل التربية الحقيقية.. وبما أن (المدرسة) فتحت أبوابها صباحاً للعلم والتعليم، ماذا عن (احتضانها) لأولئك الطلاب في الفترة المسائية.. ولو لأيام معدودة في الأسبوع لقضاء أمتع الأوقات للترويح.. وممارسة الهوايات.. واستغلال الفراغ بما يعود بالنفع والفائدة.
الجانب الاجتماعي: لا شك أن للدور الاجتماعي أثراً مهماً في الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع الواحد.. لذا لابد من تفعيل ذلك عن طريق الزيارات والاجتماعات بين الأسر والعوائل.. والالتفاف حول بعضهم وعدم العزلة عن الآخرين.. وكذا تكون الحال بين جيران الحي الواحد بأن يجتمعوا فيما بينهم للمؤانسة وتفقد الأحوال وتبادل الزيارات النافعة. ولقد استبشرنا قبل فترة عن تبني وزارة الشئون الاجتماعية لمشروع تربوي كبير وهو (مجالس الأحياء) لكي تحقق تلك الأهداف السالفة.. فلعلنا نرى مثل هذه المشاريع التربوية.. بأي طريقة.. وعلى أي صفة كانت.
- الجانب الاقتصادي: وذلك من خلال القضاء على البطالة وإتاحة الفرصة للعمل والمشاركة في خدمة الوطن.. مع تهيئة كافة السبل لذلك عن طريق التدريب.. والتأهيل وتحقيق رغبات طالبي العمل بما يتوافق وسياسة العمل في بلادنا الغالية.
أخيراً... لابد من تضافر الجهود.. وتقاسم المسئوليات لكي تتحقق الأهداف التي نصبو إليها.. في القضاء على مظاهر الانحراف.. الفكري.. والسلوكي.. وفي مقدمة ذلك (الإرهاب).. نسأل الله أن يحفظنا وإياكم والسلام عليكم..
خالد بن عايض البشري/ الرياض |