عندما احتفلت (الجزيرة) بقلم الدكتور عبدالرحمن العشماوي وأعطته مساحة كافية للتدفق واستمتع القراء ببساطة أسلوبه وأناقة كلماته.. خاف البعض أن يكون هذا استنزافاً لشعره واستهلاكاً لموهبته وتكراراً وموتاً لكلماته.. فعلاً نحن خفنا قليلاً ووضعنا أيدينا في الجهة اليسرى من صدورنا نتحسس خفقان قلوبنا.. وصمتنا أياماً سافر بنا الزمن بعيداً ومع اطلالة كل صباح نقرأ (الجزيرة) لندلف بشوق إلى زاوية الشاعر ثم نحث الخطا إلى القصيدة لننظر هل حقاً ما أثير.. هل هناك تردد وتكرار.. هل هناك (جفاف) للألفاظ والمعاني.. هل روح القصيدة تجري في عروقها أم خرجت..؟. لكن ماذا وجدنا.. وجدنا الدفق يزداد ويتجدد ونهر القصيدة صافياً رقراقاَ.. وجدنا سمواً في الفكر ورقياً في الطرح وإبداعاً في العرض ووضوحاً في الهدف.
قرأنا شاعراً لا يتعالى في قلمه ويتفلسف في عبارته ويعوم في فكرته ويسخر بمعتقده ومجتمعه وتاريخ أمته.. شاعراً لا يعيش لنفسه وأن يقرأ اسمه واضحاً، وتظهر بالملون صورته.. شاعراً يحيا لأمته ويعيش لقضية يصرخ مع الضربات المؤلمة لأمته ويتوجع ويبكي لآلامها.. شاعراً وهبه الله موهبة فشكرها وغذّاها وصقلها وصبغها بهموم أمته وقضاياها والمنافحة عنها.
وكلنا رأينا مأساة الشيخ الشهيد أحمد ياسين وكيف مارست عصابة الجبن عليه شجاعتها.. رأينا كيف انهزمت عصابة الجبن أمام هذا الرجل الضعيف المقعد الذي يدافع عن عربيته طالباً وجه الله.. الرجل الذي ماتت أوصاله لكن حيا بدينه وسما بعقيدته فهو الشهيد الحي عندما كان بيننا والحي الشهيد بعد أن استشهد على يد هذا المجرم شارون.. رحم الله شيخنا وآتاه مطلبه ومبتغاه.. وشاعرنا الدكتور شفى نفوسنا وباللهجة العامية (برد كبودنا) بأروع قصيدة قرأتها في استشهاد الشيخ.. ولم يتجمد عندها بل تعداها إلى أحداث العراق وما برح الشعر يمتد والكلمات المشحونة بهموم الأمة وجراحاتها تزامن الحدث وتنتظم على صفحات الجزيرة لتكتب الواقع المؤلم وترقب الضوء الذي يزيح الظلام مبشرا بصبح قريب.. هكذا يحيا الشاعر.. وهكذا يكون الهدف.
خالد عبدالعزيز الحمادا / بريدة |