جميل ما سطرته أنامل الأستاذ محمد الدبيسي في تكوينه الجميل على صدر الصفحة الثالثة من المجلة الثقافية الرائعة يوم الاثنين 4 من ذي الحجة 1424هـ بعنوان: (سعد الصويان) وبرغم أني لا أريد الدخول في متاهة المقارنة غير المنطقية بين الشعبوية والفصحوية، إلا أن قامة بحجم الدكتور سعد الصويان لها حضورها على ساحة المشهد الثقافي الأكاديمي في المملكة العربية السعودية بالمفهوم الواسع لهذا المشهد بغض النظر عن الرؤية الضبابية للأستاذ محمد الدبيسي من خلال ثقب الباب النخبوي، ولست أقصد من خلال كتابتي هذه الدفاع عن الدكتور سعد الصويان الذي هو في غنى عمن يحامي عنه ولكني أردت تصحيح بعض ما وقع فيه الكاتب الكريم من أخطاء في المعلومات تكشف الحساسية التي يتعامل بها بعض المثقفين مع الأدب الشعبي فيقطعون الاتصال بكل ما يمت إليه بصلة ماعدا صوت لجارة القمر يزعمون أنه حكر عليهم وكأني بهؤلاء قد جاءوا من كوكب المريخ أو لعله كوكب الزهرة وليسوا أبناء هذه الصحراء الملتحفين بثقافتها في وقت تتزاحم فيه حركات الإعراب على مخارج الحروف في محيط دائرة الكلام عند كثير من هؤلاء الذين ينبذون الثقافة التقليدية المرتبطة بحياة الشعوب والمنبثقة من تاريخ الأمة، نراهم لا يجدون غضاضة في حياتهم العامة من الحديث بعامية مستوردة تغذيها الفضائيات الممجوجة، فياليت شعري هل تنتهي ازدواجية الأقنعة - الوجوه- من عالم تتعملق فيه الأقزام!!.
أعود لباعث الحديث حيث قال الأستاذ الدبيسي: (وبغير الجمع والرئاسة لم يحظ الأدب الشعبي من دكتوره بأي جهد بحثي أو منجز تحليلي منهجي أو دراسة علمية....).
ثم قال: (.... فإنه لم يقدم ما يليق بتخصصه الأكاديمي ولا ما يرقى إلى حسن ظن المتابعين به بوصفه متخصصاً في دراسة الفلكور).. وأقول إن كلام الأستاذ الدبيسي فيه إجحاف كبير في حق الدكتور الصويان الذي مازال يتربع على قمة الجهد البحثي والمنهجي الذي يشكل إضافة نوعية في دائرة الأدب الشعبي- دعك من ابن حمير وقدراته -.. حيث صدر للدكتور سعد الصويان عام 1421هـ - 2001م كتابه المسمى (فهرست الشعر النبطي) في 668 صفحة والذي هدف إلى رصد كل ماهو مطبوع ومنشور من نتاج شعراء وشاعرات الحاضرة والبادية باستثناء المتأخرين منهم، والذي تقوم فكرته على حصر جميع الشعراء والشاعرات الذين يقعون ضمن المحددات المكانية والزمانية والموضوعية وترتيب أسماء الشعراء أبجدياً..- غير أنه فصل الشعراء من الشاعرات -، وبعد اسم الشاعر يورد مطالع قصائده المنشورة في المصادر المطبوعة مرتبة حسب حرف الروي في قافية العجز، وبعد مطلع القصيدة يورد جميع المصادر التي نشرت فيها بطريقة مختزلة تشتمل على الاسم الأخير للمؤلف وسنة النشر مرتبة حسب سنوات النشر.. وبعد المصدر يورد رقم الصفحة وعدد أبيات القصيدة لكل مصدر، ويمكن للقارئ التعرف على المصدر بالكامل من خلال القائمة البيبلوغرافية المستقلة التي يتضمنها الكتاب، وعدد مصادر الفهرست يقارب المئتي مصدر مما يجعلنا نقدر حجم الجهد المبذول في هذا العمل العلمي الضخم الذي لم يظهر إلا بجهد فردي لشخص غير عادي هو الدكتور الصويان.. ويعد هذا الفهرست المرجع الأهم في المكتبة الشعبية.
الكتاب الإبداعي الآخر الصادر عن دار الساقي عام 2000م هو (الشعر النبطي - ذائقة الشعب وسلطة النص)، وجاء في 616 صفحة والذي رصد فيه أوجه العلاقة التي تصل الشعر الجاهلي بالشعر البدوي أو ما يسمى بالشعر النبطي، وتتبع فيه مسيرة الشعر في بوادي الجزيرة العربية وفق حقب متتالية، تبدأ من العصر الجاهلي، عصر الفصاحة، حتى العصور اللاحقة، عصور العامية، للبرهنة على أن الشعر الجاهلي والشعر النبطي هما البداية والنهاية لموروث شعري مستمر عبر التاريخ، واعتمد الدكتور في تحقيب الشعر النبطي على دراسة وتحقيق المخطوطات الشعرية القديمة، ويعتبر هذا العمل من الأعمال ذات المنهج العلمي الرصين التي لا يستطيع إنجازها إلا من هو في خبرة وكفاءة وجلد الأكاديمي سعد الصويان.
وكذلك ترأس الدكتور الصويان هيئة تحرير موسوعة (الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية) فصدرت بمجلداتها الضخمة لتضاف إلى الروافد المراجعية المتخصصة في موضوعها.
وللدكتور أعمال أخرى غير جمع المأثورات الشعبية وحداء الخيل اللذين ذكرهما الأستاذ الدبيسي منها ما نشرته جامعة كاليفورنيا سنة 1985م، وكتاب آخر نشرته دار هاراسوتز في ألمانيا سنة 1992م وهو عبارة عن دراسة لغوية وإثنولوجية وغير ذلك من المقالات والبحوث التي نشرت باللغة العربية واللغة الإنجليزية في عدد من الدوريات العربية والأجنبية إضافة إلى مشاركته المستمرة في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة.
وبهذا نؤكد أن أعمال الدكتور الصويان في مجال الأدب الشعبي والثقافة التقليدية تتسم بالتجديد والإضافة النوعية، فهو أول من أصدر مؤلفاً عربياً خاصاً بحداء الخيل وهو أول من فهرس الشعر النبطي وغير ذلك من الأعمال المتميزة التي لم يعلم عنها أستاذنا الدبيسي، وذلك لأنه رقم في مصفوفة الثقافة العربية التي ترفض دون غيرها من الثقافات العالمية التعامل مع آدابها العامية برحابة صدر وموضوعية كما قال الدكتور الصويان.
قاسم الرويس |