Wednesday 5th May,200411542العددالاربعاء 16 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إنا على فراقك يا أبا عبدالله لمحزونون إنا على فراقك يا أبا عبدالله لمحزونون
عبدالرزاق بن محمد الإبراهيم / مدير مكتب الشيخ محمد بن عبدالله الجميح

مثلما تصبح الدموع عصية تأبى الخروج وتتسمر النظرات وتتسع حدقات العيون فلا يرف الجفن ولا ينطق اللسان.
وقف القلم وعجز ان يسيل مداده ليعبر عما يجول في الخاطر وما تتزاحم به السوانح والذكريات.
أربعة أيام بلياليها مذ فارقت معلمي ووالدي وأنا على هذه الحال من فقدان الوعي. قبل ساعتين فقط من دخوله مرحلة الخطورة المفاجئة التي جعلها الله سبباًَ لوفاته، كان يسألني عن أحوال أسرتي وأبنائي، فكيف أكتب ومن أين أبدأ وعن أي خصال أتكلم، وأنا أقرأ كل يوم لأكثر من أديب متمرس وعالم مخلص وصديق عريق وعلم بارز كلهم كتب وقدم رثاءً وأشاد ووفى بكل إخلاص.
لقد أثار عبرتي ذلك الشيخ المسن الذي اعتاد ان يزور الشيخ محمد الجميح في مكتبه فترة بعد أخرى ليحظى بعطف أبوي ومساعدة على صروف الدهر.
انخرط في البكاء وعانقني: (جئت معزياً لأني سمعت برحيل الشيخ)!.
لم يكن مكتبه في أي وقت موصداً في وجه أحد من الناس. كثير من زملائي ومن المعارف يستغرب عندما يزور المكتب كيف يدخل عليه المراجعون بكل سهولة وعفوية سواء للعمل أو لحاجة شخصية، ليخرج القاصد منهم راضي النفس يكفيه حسن الاستقبال وبشاشة الوجه والخلق الكريم. يأمرنا بمتابعة موضوع صاحب الحاجة حتى انتهائها ويتابع ذلك بنفسه.
ولا يقصر في بذل الجانب والجاه والشفاعة لصديق أو عزيز أو صاحب حاجة.
لا يزال صوته يتردد في جنبات المكاتب والممرات قادماً إلى العمل وخارجاً إلى الصلاة، أو داخلاً إلى اجتماع، أو زائراً لقسم، أو آيباً إلى البيت.
رقة مناداته إلى الصلاة تشنف أسماع من يمر بهم بادئاً بمكتبي (نصلي؟؟).
(نصلي يا حمد؟؟)، (نصلي يا عمر؟؟) هكذا يقولها باستفهام لطيف لا آمراً زاجراً منفراً. ليدع كل من يحمل قلماً أو ينجز عملاً ما بيده ويهرع إلى الصلاة.
يتقدم الجميع إلى كل شيء. حتى الاجتماعات يحضرها أولاً، ويجلس منتظراً اكتمال الحضور يعلمهم أهمية الوقت ودقة المواعيد.
(بورك لأمتي في بكورها) حفظته منه وحفظه غيري من العاملين معه على كثرة ما يردده. عايشنا البركة الملازمة لهذا الرجل في عمره وفي ماله وفي وقته، إن ما ينجزه من عمل يعجز عنه فريق عمل كبير. ترى الشركة ساعات وجوده خلية نحل دائمة الحركة، الممرات مشغولة بالذاهبين والآيبين ومكتبه لا يخلو من مسؤولين ومراجعين وموظفين هذا بقلمه وأوراقه وهذا بملفه وملاحظاته وهذا بآرائه وأفكاره والشيخ يوجه هذا ويسمع من هذا ويسأل هذا ولا ينسى إنجاز اتصالاته المختصرة دائماً، وزياراته والسؤال عن أحوال أقاربه وذويه.
كيف يكفي الوقت لكل ذلك؟ إنها البركة التي ذكرها الحديث الشريف الذي تمثله الشيخ في سلوكه.
اهتماماً بالصغيرة قبل الكبيرة ومعرفة دقيقة بتفاصيل جميع الأعمال والعاملين وسماع آرائهم واقتراحاتهم وقبول الجيد والصالح منها.
لقد وضع جائزة لكل من يقدم اقتراحاً وجيهاً - ولا زلت احتفظ بساعة اليد التي حظيت بها لتقديم اقتراح وجيه - كما أوجد مسابقات يجريها بين أقسام الشركة توزع فيها الجوائز على الفائزين ويتم فيها تكريم المجدين.
مدرسة إدارية عريقة حديثة يتم التعليم فيها بالقدوة وحسن الخلق والعفوية والبساطة.
لم يكن يشعر بأي حرج في أن يقص علينا بعضا من معاناته عندما كان يافعاً يشق طريقه الصعب للوصول إلى هذا المجد.
لم يكن يشعر أحداً من العاملين بأنه موظف أو عامل عنده بل مسؤول وصاحب عمل (هذه شركتكم نجاحها من نجاحكم وسمعتها من سمعتكم) يسأل عن أحوالهم ويزور مريضهم ويسأل عن غائبهم ويدعوهم في الأعياد والمناسبات، يهتم بالزائر والضيف وذي الحاجة ويدعوهم إلى بيته ويرسل إليهم وسيلة النقل لتأخذهم من مقر إقامتهم وتعيدهم إليه، خاصة من يأتون من الخارج ويعطيهم عطية من لا يخشى الفقر وعندما اتسعت دائرة العمل الخيري أسس مع أبناء أخيه مكتباً مستقلاً مختصاً بذلك و أنشأ (مؤسسة آل الجميح الخيرية) لتتولى تنظيم العمل الخيري والعناية به واستمراريته ومتابعته.
لم أكن أتصور ساعة وفاته ان يحدث هذا الصدى وهذا التفاعل من جميع من رآه وعايشه وعرفه وسمع به، لم أتصور هذه الحشود المتوافدة على منزل آل الجميح للمواساة والعزاء ولم أتوقع هذا الكم الهائل من البرقيات والرسائل والفاكسات التي تحتاج إلى أيام لفرزها وقراءتها، لاشك بأنها شواهد على كريم سجاياه من التواضع والوقار والصلة والبر والبذل في وجوه الخير (أنتم شهود الله في أرضه).
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا والدنا لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved