كلمة ( وجدان) ارتبطت عندي ومنذ أربعاء الوشم بأنها طفلة بريئة وحقيبة مدرسية تحتوي على مقلمة وبراية للقلم الصغير ومسَّاحة وورقة صغيرة انحشرت بين مجموعة من الدفاتر والكتب، ارتبطت عندي ومنذ أربعاء الوشم بأنها طفلة بريئة وحقيبة بين مجموعة من الدفاتر والكتب (فتعفطت) و(تكرمشت) لأن صاحبتها تركتها من يوم الاربعاء على ان تراجعها خلال الخميس والجمعة ليتسنى لها تقديمها للإذاعة المدرسية يوم السبت، لم تكن تعلم (وجدان) ان هناك من يترصد ويتلصص ويمر بالقرب من منزلها وهي تلهو كفراشة بريئة في ساحة المنزل الصغير، مر من هناك لا ليطمئن عليها وعلى أترابها ولكن ليتأكد أي الاماكن أنسب ليكون منطلقاً لقتل أكبر عدد ممكن من الناس وتدمير أكبركمية من الممتلكات، لم يكن يهتم إن كانت ( وجدان) قد وعدت مدرساتها أن تكون أول من يلقي كلمة الصباح يوم السبت، بل لم يكن يهتم إن كانت وجدان ستموت بصدمة الرعب من صوت الانفجار ودخانه أم تموت تحت الركام وثقل جدارٍ طويل لا يتحمله جسمها الغض فيغوص تحت ثقل الحديد والأسمنت ولا يبقى ما يدل على ( وجدان) إلا طرف ثوبها الأزرق معلناً للجميع أن وجدان مدفونة هناك، هناك تحت الركام والحديد والغبار والأسمنت المسلح، توقفت هنا وتخيلت مجرد تخيل: لو أن هذا المترصد الذي مر من هنا ومر من هناك وتأكد من الشارع والحي والمكان: لو أن هذا الرجل بعد أن وضع الحمل المميت في سيارته بكل ثقله ولبس مجموعة من السترات المحشوة بالديناميت المتفجر وربط الأسلاك في كل مكان من جسمه وركب سيارة الموت ووصل الى المكان وقبل أن يتوجه الى بوابة المرور التفت يميناً ثم التفت شمالاً ورأى المنازل المتناثرة في الحي.. لابد انه في تلك اللحظة بالذات يلمح جزءاً من شعر ( وجدان) يصعد ويهبط وهي تلعب في ( المراجيح) الموجودة بالفناء، لابد أنه يتذكر لو التفت انه هو لديه ( وجدان) أيضاً ثم بعد أن يرى ذلك يتحرك وجدانه هو فيذهب من فوره الى الشرطي الذي يقف على الباب لا ليسأله أن يدخل بل ليطلب منه أن يبقى بعيداً ويستدعي أي مسؤول من داخل الإدارة لتسليم ما معه إليه، لكن ذلك لم يتم لأنني رأيت دمعة تترقرق وتنزلق من محجر رجل خمسيني يمسك المقلمة والبراية والمسَّاحة ومجموعة الأقلام والتفت الى الناحية الأخرى فوجدت الدمعة تنطلق من كل عين عندها ( وجدان).
|