Wednesday 5th May,200411542العددالاربعاء 16 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
في الأبجديَّات ..!!
خيرية إبراهيم السقّاف

قد لا يخطر في بال الإنسان أن يفكّر كيف يمكنه أن يرى نفسه في لحظة ميلاده ، وقد لا يتخيّل كيف يمكنه أن يتعرَّف عليها، أو يقرب منها.. ذلك لأنّ الإنسان في الواقع يشهد ميلاد الآخر، ويتعرّف عليه بينما لا تتيح طبيعة الواقع أن يُرى مولودا لحظة ميلاده، كما من الصعوبة أن يتعرّف على نفسه في اللَّحظة تلك...
ولئن كانت الولادة التّي يأتي عنها الإنسان إلى الحياة، ليدبّ فوق أرضها، ويضاف إلى أعداد البشر فيها، هي التّي يتحقّق عنها وجود الإنسان، فإنَّ هناك ولادات للإنسان بعد ذلك فوق الأرض،
فالإنسان يولد بعلمه، وبعمله، وبعلاقاته، وبخلقه، وبإنتاجه، وبأفكاره... وبمعاملاته، وبمبادراته، وبابتكاراته، وبإضافاته، و...
ولئن أصبح اسمه قرين أيّ من ذلك، فعرفه الناس... وأضاف ذلك إلى شعوره سعادة واطمئناناً، فإنَّه يتعرَّف حينها إلى قيمة مُنْجَزه، أو أهميّة مبادرته أو فلاح معاملته....
بينما كيف هو حال إنسان يجد نفسه فجأة أمامه في ألسنة الناس، وفي عيونهم، وفي حرارة كفوفهم، حين يلتقي بهم فيسمع الدعاء، ويرى المحبة، وتصافحه أيديهم بقوّة وحنو وحميميّة وود؟
هذه الولادة الوحيدة التي يتعرّف فيها المرء إلى ذاته، وهي المتاح الفريد لأن يشهد ذاته ويتعرّف لحظة مولده...
فكم، وكيف؟
كم من البشر يهيّأ لهم معرفة أنفسهم، ويشهدون في لحظتها ميلادهم؟!
جاءني هذا السؤال من شابتين ناهضتين بيد كلِّ منهما وثيقة تؤكّد قبولهما للدراسة في الجامعة؟!
كانت أوّل كلمة قلتها لهما:
ليست جامعة الدرس، ولا جامعة العمل، ولا جامعة الحياة من يمنحك الشَّهادة للحظة مولدك؟ إنّها جامعة الإنسان...
والإنسان ، أنتما فلن تقفا على جزئيات منظومة معارفه وعلومه وتتدرَّجا في النجاح إلى مراتب منازله حتّى تتمكنا من نيل أرقاها فتكونا في الألسنة خيراً، وفي العيون محبّة، وتمتدّ لكما الأكفّ بالدعاء والتواصل إلاّ حين يكون في قلبيكما الإيمان المطلق بالله تعالى. فللإيمان قواعد سلوك، وشروط تعامل... فإذا امتلأ قلباكما به، توطَّن فيهما حب الله، وهو السبيل إلى معرفة الذَّات، وعلائقها بالآخر، تعاملاً، وتكاتفاً، وتكافلاً، وإفساحا.
فإذا فسحت النفس في الإنسان للآخر داخلها، وخارجها، لم تكن الدنيا محور هذه الذات. وخروج الدُّنيا من النَّفس، وخلو النَّفس منها محكٌّ لسموّها وهو مقعد الوصول إلى الناس، إذ عنهم تصدر الشَّهادة في الدّنيا... ويتاح لكما مشاهدة لحظة الميلاد، ومن ثمَّ تتعرَّف كلُّ منكما إلى نفسها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved