تشهد مدينة الرياض هذه الأيام حدثاً يتكرر فيها سنوياً، وللمرة الخامسة على التوالي، ألا وهو المسابقة المحلية على جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - للبنين والبنات، وقد كان لهذا الحدث اثاره التي يصعب حصرها لصلتها بكتاب الله وحبله المتين الممتد لعباده.
إن العناية بالقرآن الكريم طباعةً وقراءةً ونشراً وتوزيعاً، والعناية به تلاوةً وتفسيراً وترجمةً، وتبليغاً للناس، والاحتفاء به حفظاً وتعليماً وتربيةً على معانيه وآدابه.. منجاة للأمة ورفعة لمنزلتها بين الأمم.
إن أمة تتمسك بالقرآن لن تُهزم بإذن الله فهي المنصورة الغالبة المحفوظة به، تتمسك به في أحكامها وحكمها وفي تسيير شؤون أبنائها وتربيتهم، وفي تعليمها ومناهجها، ستكون أمة في قلب الأمم ورائدة تقودهم إلى الحق والخير والهدى.
إن هذا الانتشار الواسع لجمعيات ومراكز تحفيظ القرآن الكريم في الجامعات وفي الأحياء وفي الجوامع دليل قاطع على اهتمام أهل هذه البلاد المباركة بكتاب الله وتربية أبنائهم على ألفاظه وحروفه ومعانيه وآدابه، وإن إقبال الأبناء والبنات على هذه الحلق لخير شاهد وبرهان على الدفعة النفسية القوية والتلقائية نحو كتاب الله حفظاً وتلاوةً وتدبراً، وإن عناية الكثير من كبار المسؤولين في الدولة - رعاها الله - بهذا النشاط وتقديمهم المال والجوائز المادية والعينية لحملة كتاب الله دليل احترام وتقدير لهؤلاء الشباب الذين ثنوا ركبهم في سبيل تعلم كتاب الله يتدبرون عظاته ويحفظون آياته ليل نهار، هؤلاء الشباب الذين رطبوا ألسنتهم بذكر الله حتى أصبحت لهجة باستذكار المحفوظ من كلامه كي لا يتفلت من قلوبهم، هؤلاء الشباب الذين يطرقون أبواب العلماء رغبة في تعلم رواية حفص أو قالون أو ورش أو غيرهم حتى يقرؤوا القرآن طراً طرياً كما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وكما قرأ به الأولون الذين أخذوه واحداً عن واحد بالسند المتصل إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، إن هؤلاء الشباب الذين تمتلئ بهم المساجد لتلاوة كتاب الله وتدبر معانيه، وإن شباباً تمتلئ بهم الجامعات ودور المعرفة والعلم، أولئك هم زهرة الأمة ومستقبلها المشرق بإذن الله وهل تقوم الأمم وتعتز إلا بالشباب الرائد المهتم بنفسه ومجتمعه؟ سيكونون بإذن الله أنواراً تضاء بها الدنيا ومشاعل يُقتدى بها وآباء يربون أبناءهم على ما تربوا عليه.
إن مجتمعاً يكثر فيه أمثال هؤلاء الشباب والشابات والبنين والبنات سيظل محفوظاً بإذن الله ولن تهتز دعائمه وستبقى له الريادة والمكانة العليا في عالم اليوم وسيكون النصر تاجاً على رأسه وسيكون قبلة للعالم وقد كان، وسيكون أهله من الشافعين المشفع بهم في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
لتحية إكبار واجلال لهم، وتحية لمن تبنوا تربيتهم وبناءهم وتأهيلهم، وتحية لمن يقفون وراء كل هذا بالبذل والدعم والمساهمة في دفع هذه العجلة المباركة للمضي قدماً دون توقف أو انقطاع.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
( * ) نائب رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن في منطقة الرياض |