Wednesday 5th May,200411542العددالاربعاء 16 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تنمية الموارد البشرية.. كيف؟ تنمية الموارد البشرية.. كيف؟

*عبدالله بن محمد المالكي:
نسمع ونقرأ الكثير عن تنمية الموارد البشرية وأهمية ذلك وضرورته لتفعيل التنمية الشاملة أو ما أطلق عليها مؤخراً التنمية المستدامة، ونطالب وبشكل عام بذلك وهذا أمر جيد، ولكننا نغفل نقطة هامة في هذا الأمر وهي مدى القابلية للتطوير والتنمية، أي مدى استعداد الشباب أنفسهم واستجابتهم لعملية التأهيل والإعداد والتدريب أو بشكل عام تنمية مهاراتهم وقدراتهم وتطويرها.
إنني أعتقد أن المطالبة بذلك والكتابة عنه بل وحتى توفير المراكز التدريبية والدورات وخلافه لا يكفي إذا لم يكن لدى الفرد نفسه القابلية لتطوير الذات وفهم ما يدور حوله وإدراك الواقع التنافسي الذي يمر به الشباب اليوم في سوق العمل السعودي. أقول إذا لم يستشعر الفرد سواء كان طالباً أو خريجاً أو متدرباً أو نحوه، ولم يشعر بالمسؤولية، مسؤوليته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه ودينه وأمته، أي لماذا يتدرب أو يتعلم وماذا سيقدم لمجتمعه ووطنه؟
إذا لم يقدر كل ذلك فلن تفلح كل هذه الجهود التي تقوم بها الدولة وسيكون المخرج النهائي اليوم دون المستوى المطلوب، وإذا لم يستشعر أولياء الأمور والأسر بشكل عام بأهمية شعور الفرد بالمسؤولية والنهوض بها وإلا كأنك يابوزيد ما غزيت (على رأي المثل الدارج)، هناك للأسف أسر وأولياء أمور يكسّرون مجاديف الشباب مسبقاً وقبل ان يصل أولئك الشباب إلى سن العمل بالوضع الراهن المحبط (في نظرهم)، والتحدث عن معدلات البطالة وعدم وجود الوظائف وو... الخ. وكأن الوظائف والأعمال مرتبطة ببعض التخصصات التي يعرفها هؤلاء الآباء أو الشباب أو تلك الأسر فقط أو التي يرغبون أن يلتحق أبناؤهم بها. أما التخصصات الفنية والمهنية الحرفية مستبعدة تماماً من قائمة الوظائف والأعمال لدى معظمنا. أيها الاخوة لا بد ان نتأقلم مع الواقع يقول المثل الشعبي (ان طاعك السوق وإلا طيعه) ولا بد ان نؤمن كل الإيمان ان هناك تخصصات جامعية أو دون ذلك لم يعد يحتاج إليها سوق العمل سواء في القطاع العام أو الخاص ومع ذلك تجد الشباب يتجهون إليها وكأن الوظائف تنتظرهم حال تخرجهم وعند أبواب الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس. للأسف الشديد معظم الشباب السعودي يبحثون عن التخصصات السهلة سواء في المرحلة الجامعية أو حتى في التعليم العام وعندما يشار عليهم لا يتقبلون ذلك بشكل كبير ولا يأخذون ذلك مأخذ الجد لأنهم يفكرون في اللحظة وما بعد ذلك يترك لحينه أي أنهم لا يتنبؤون بالمستقبل وأحداثه وتطوراته وإن كان ذلك غير مقصود. بل قل لا يوجد الاستعداد لدى الغالبية لمناقشة أمور مثل هذه. وهناك من يعّول قبوله وحصوله على الوظيفة والمستقبل على المعارف أو المحسوبية فلديه قريب هنا وقريب هناك وهلم جرا، وهناك من تجبره قدراته وإمكانياته على ولوج تخصص بعينه وهؤلاء خارج نطاق الحديث طالما هم في نطاق المعدل الطبيعي.
ومن جانب آخر فإنه من غير المعقول ان تضع الجامعات والكليات لافتات كبيرة على أبوابها لتقل لا يوجد وظائف بعد التخرج من هذا القسم كما انه من غير المعقول إغلاق جميع أو معظم التخصصات النظرية ثم محاولة فتحها بعد فترة. نعم من الممكن الحد من القبول. ولكن ماذا تفعل أمام الرغبات اللامتناهية من الأفراد في الدخول إلى هذا القسم أو ذاك.
هناك من يقول أرغب الالتحاق في هذا التخصص والأرزاق على الله أو لكل حادث حديث. هالحين ندرس ولا تخرجنا يحلها حلال أو غيرها من العبارات الدارجة (وهذا من حقه) لا أحد يستطيع إلزام أحد (إلا النظام)، ثم بعد ذلك تتغير النظرة والحال.
أكرر أن البعض لا يهتم بالواقع أو المستقبل وكأنهم في سبات عميق وعندما يصطدمون بالواقع فيما بعد (بعد التخرج أو عند البحث عن عمل) يستيقظون ويبدؤون في التذمر والشكوى وللأسف تكون متأخرة. إذاً من المسؤول بشكل مباشر عن هذا الوضع.. هل الدولة التي لم تدخر وسعاً في هذا المجال وتحاول إرضاء كافة الشرائح، أم الشباب أنفسهم، أم القطاع الخاص الذي يجب ان نعلم انه يبحث في المقام الأول عن الربح ولا شيء غير الربح، وبذلك هو يسعى إلى الحصول على موارده الاقتصادية بأقل التكاليف ومنها الموارد البشرية (العمالة) بالطبع لأن ذلك سيوسع أو يزيد من هامش الربح الذي سيحصل عليه، وطالما النظام يجيز استقدام عمالة ماهرة أو شبه ماهرة بأجور رخيصة فلن يتوانى عن ذلك وسيبحث عن الأقل كلفة والأكثر مهارة، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وبالتالي تحقيق هدفه الأساسي أكبر ربح ممكن أو زيادته. أنا لا أدافع عن القطاع الخاص ولا تربطني به مصالح خاصة أو نحوه، لكن أتحدث عن ذلك من المنظور الاقتصادي ووفقاً للمنطق. هذا هو واقع القطاع الخاص باختصار إذاً لن يتعاون القطاع الخاص في عملية توظيف الشباب السعودي (السعودة) إلا في حالات ثلاث:
1 - ان تكون العمالة السعودية الداخلة لسوق العمل مؤهلة ومدربة تدريباً عالياً ولديها الاستعداد الكبير لتحمل ساعات عمل أطول وأجور ومرتبات أقل من نظيره في القطاع العام، والأهم من ذلك الدخول في المنافسة مع العمالة الوافدة بطريقة منطقية تعتمد على مبدأ الربح والخسارة والجدارة والكفاءة وإثبات الذات وتطويرها من خلال التعليم والتدريب المستمر. وهنا يجب على الجميع غرس حب العمل والتعلم والقراءة في نفوس الشباب كغاية لا كوسيلة.
2 - ان يقوم بذلك القطاع الخاص (شركات أو أفراد أو غيرها) من تلقاء نفسه وانطلاقاً من مبدأ رد الجميل للدولة للدعم السخي والتسهيلات التي نالها، أو للمجتمع الذي نشأ وترعرع فيه هذا القطاع كمساهمة أو من أجل القبول العام للمنظمة ونشاطها..الخ. وهذا أمر قليل، بل نادر حدوثه في مجتمعات الدول النامية وان فعل ذلك فرد أو نحوه لم يفعله الآخرون، فالعملية اختيارية وطالما هي كذلك فلن تتم بالشكل المطلوب أو المؤثر.
3 - أو أن يكون ذلك بشكل إلزامي من قبل الدولة، وهذا ما تفعله الدولة الآن بالتدريج لقطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة من فرض نسب على القطاع الخاص للمساهمة في توظيف وتوطين الوظائف والأعمال المختلفة. وفي هذه الحالة تتطلب مثل هذه العملية وقتاً طويلاً حتى يتحقق الهدف. كما تتطلب تعاون القطاع الخاص والتضحية أحياناً من أجل الوطن.
والأقرب إلى المنطق والواقع هما الخياران الأول والثالث: يجب ان يشعر الجميع والشباب بشكل خاص بأهمية الاعتماد على النفس وتطوير الذات والشعور بالمسؤولية، وفي المقابل يتطلب الأمر قيام الدولة بالإشراف على (عملية التوظيف والاحلال) ومراقبة القطاع الخاص وتشكيل لجان وأجهزة محايدة وموضوعية للتحقق من ذلك على أرض الواقع والإسراع في تنفيذ ذلك قدر الإمكان، وهذا ما تقوم به الآن في الأنشطة التي بدأت فيها عملية الإحلال والسعودة مثل سوق الخضار وسوق الذهب وغيره.
نعم أتفق مع من ينادي بضرورة تأهيل وتنمية وتطوير العنصر البشري وان ذلك أصبح مطلباً اقتصادياً واجتماعياً ملحاً ولكن يجب ان يكون ذلك في ظل اعتبارات معينة حتى تتحقق الأهداف المرجوة في النهاية لكافة الأطراف ومن هذه الاعتبارات:
- القابلية لدى الأفراد المعنيين (قابلية تطوير الذات والتعليم واكتساب الخبرات والصبر والرضا بالواقع وتحمله).
- الجدية والانضباط والشعور بالمسؤولية والقدرة على تحملها وتقبل التوجيه والنقد ونحوه.
- الدخول في المنافسة، واستغلال الفرص فالبداية غالباً ما تكون بسيطة ومتواضعة ومع الوقت يكتسب الفرد خبرات ومهارات ويتطور إلى الأفضل. فكبار رجال الأعمال حالياً كانت بداياتهم بسيطة ومتواضعة.
وأخيراً فإن تعاون وسائل الإعلام والأجهزة ذات العلاقة بعملية تنمية الموارد البشرية والتوظيف أو الإحلال وسوق العمل من خلال القيام بالحملات التوعوية المستمرة والمكثفة واللقاءات والندوات والمحاضرات التي تبين واقع ومستقبل النشاط الاقتصادي وسوق العمل في المملكة واحتمالاته المختلفة والبدائل المتاحة أمام أجيال اليوم والغد لأمر في غاية الأهمية.

* الرياض 11436 ص ب 23877


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved