إلى جانب اعتبار الدعم المادي والمعنوي لمن يشتركون مع الإنسان في المبادىء أو القيم المشروعة أحد صور التعبير عن الرأي المشروعة، فهو أيضاً أحد العوامل المؤثرة في منفعته ومستوى معيشته.فقد بينت الدراسات والأبحاث التي أجريت في الغرب أن للتبرعات أثراً إيجابياً على مستوى منفعة الشخص نظرا لأنها تمكنه من دعم من يرى استحقاقهم لدعمه وتجعله قادرا على ممارسة هذا الحق والشعور بقدر ما من الرضا بأنه قد أدى واجباً لازم الأداء، أو لأنها تجعله يشعر بأنه قد ساهم في التخفيف من تبعات الكوارث الطبيعية أو البشرية التي يتعرض لها الآخرون، أو يكون التبرع في حد ذاته بغض النظر عن نتائجه يحقق له منفعة فهو يقيم فضيلة العطاء والإيثار عالياً، فتكفي مجرد ممارسته لهذا السلوك للشعور بمزيد من السعادة والراحة النفسية.
وبناء على هذا فإن حرمان الشخص وعدم تمكينه من ممارسة هذا الحق يؤثر سلباً على مستوى معيشته. ويشبه في ذلك حرمانه من شراء سلع يرغب في استهلاكها على الرغم من مقدرته على دفع الثمن، لأن المستهلك والحالة هذه يرى أن إنفاق المال على وجه التبرع والإحسان للآخرين يدر عليه منفعة أفضل مما لو احتفظ به لنفسه أو أنفقه بشكل مختلف. لكن لو حرم من الخيار الأول فسيلجأ إلى الخيار الثاني وهو ما يعطيه مستوى منفعة أقل على الرغم من كون المبلغ هو ذاته.
ويحدث نفس الشيء فيما لو أجبر على التبرع لجهات لا يحبذها أويرى من هو أكثر استحقاقاً منها، ويماثل هذا من يود استهلاك نوع معين من سلعة ولكن لسبب غير منطقي يجبر على شراء نوع آخر وإلا فلاشيء.
ولعل هذا يفسر ما يعمله بعض الغربيين - الذين لا يتصرفون بدافع ديني أو تحركهم أيدلوجيات أو توجهات فكرية متحيزة - من الذهاب إلى المناطق المنكوبة في العالم والمخاطرة بأنفسهم في سبيل إغاثة المتضررين ودعمهم والخروج في مظاهرات والمشاركة في حملات التطوع وتنوير الرأي العام تجاه هذه القضايا. فما يدفع هؤلاء ويحركهم غالباً هو شعورهم وإحساسهم أن مستوى معيشتهم سيكون أفضل فيما لو تصرفوا بهذا الشكل.
ولعل هذا يفسر لنا أيضاً وجودكم هائل من مؤسسات المجتمع المدني في الدول الديمقراطية التي تدعم هذه الحقوق وتحرسها بما تتمتع به من أساس قانوني واستقلالية تامة عن الحكومة. فهي بمثابة سوق مركزي يوفر لأفراد المجتمع مجموعة من السلع لا توفرها الحكومة وربما لا ترغب في توفيرها ولا يوفرها القطاع الخاص بالطبع.
وإلى جانب هذه المزية لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة فإنها تقوم بنقل عبء بعض السياسات والتي تفضلها الحكومة ولا تود تحمل تبعاتها لأسباب معينة إلى الشعب ومؤسساته المستقلة غير الخاضعة للحكومة. وفي هذه الحالة يصعب لوم الشعوب أو إتخاذ عقوبة ضدها لأن هذا هو جوهر العملية الديمقراطية وبهذا يمكن الإمساك بأكثر من عصفورين بدون الحاجة إلى حجر.
|