(1)
** ليس مهماً أن نعرف مِنْ (بوب ودورد) في كتابه الأخيرة (خطة الهجوم - الصادر في شهر أبريل 2004م) مَنْ وقف مع الحرب على العراق ومن وقف ضدها، ومن علم بالأمر أولاً ومن أُعلم به تالياً، ومن برّر ومن فسّر، ومن اندفع ومَن امتنع.. فهذه أسئلة تهمهم إجاباتها، ولن يعنينا صقورهم وحمائمهم.. أو متطرفوهم ومعتدلوهم، فالولايات المتحدة - في زمن المحافظين الجدد - تعيش تخبطاً (سياسياً) ندفعُ نحن ثمنه..!
** لا تحتاجُ (الضحية) إلى قراءةِ نوايا (الجلاّد)، ومعرفة موقف (زبانيته).. أما ما وراء ذلك فلن (يضر الشاة سلخُها بعد ذبحها).. ولن ينفعها تحميمُها وتطهيرُها قبله..!
(2)
** المفارقة التي لم نزلْ نقرؤُها ثم لا نُصدقها أن مجرمي الحرب يتقربون إلى الله بذبحنا، ويسألون الله النصر، ويرجونه المغفرة.. إذ يقتلوننا في وضح النهار ويغتالوننا حين غلس الليل.. ويكررون ممارسة خالد بن عبدالله القسري: (ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم..) ثم لا نملك حتى النطق بالشهادتين..!
** يكتملُ توصيف (بوب ودورد) لقلق الرئيس الأميركي قبل إعلان الحرب بتصويره وهو يردّد الدعوات، ويقيم الصلوات، ويدور في حديقة البيت الأبيض خاشعاً، متمتماً، والدمعة تفر من مآقيه دون أن تنحدر إلى وجنتيه (وهذه هي عبارة (ودورد) في حواره مع (مايك والاس) في برنامج (ستين دقيقة) عبر محطة C.B.S)..!
** وإذن فهم يُحاربوننا ليظفروا برضا الله وجنته، وينفذون فينا مشيئته وإرادته، وهو ما انتبه إليه المفكرون الإسلاميّون منذ زمن بدعوى أن هذه الحروب لا تخلو من دوافع دينية، وعارضهم الآخرون بدعوى أن هذه الحروب هي اقتصادية - سياسية بالدرجة الأولى، ومع عدم إغفال هذه فقد جاءت كتاباتُهم بأنفسهم لتقرّر هذه الحقيقة، ومن لا يزال في نفسه شيء فليقرأ كتابي جورج بوش الجد 1796- 1859: (محمد مؤسس الدين الإسلامي) و(وادي الرؤيا في تفسير رؤيا حزقيال) اللذين نشرتهما دار المريخ بالرياض هذا العام 2004م..
(3)
** يظُن بوش ومعه شارون وأمثالُهما أنهم يتعبدون الله بباطلهم، ونحسب أننا نتعبده بحقِّنا، ولا يبقى معنى لاستفهامٍ حول ما تظنه (الملل) و(النحل) في ذاتها وأتباعها.. وفي أتباع ومعتقدات سواها..!
** يمضي (التاريخ) ليروي أن جرائم (الصليبيين) تجد - لديهم - التأطير الذي نكتبه نحن عن عدل (صلاح الدين)، وكذا في قضايا الصراع المستمر بين (المسلمين ويهود) من أيام النبوة حتى قيام الساعة، فلأنهم مكلفون من الله بزعمهم.. باتت جرائمهم جلائل، وخطاياهم حسنات..!
** هكذا يُطلّ التساؤل التائه حول أبعاد الخلافات الإسلامية - الإسلامية.. التي عاقت وتعوق مشروع النهضة - الحلم.. بسبب (التشظي) السياسيّ والثقافي والاجتماعي الذي يفرّق بين أبناء الأمة الواحدة بل الوطن الواحد وربما المدينة الواحدة..!
** أحيانا تبدو خلافاتُنا عبثية وربما تنقطع الأواصر بين فئات.. لأن هذا يرى قضيته بمرجعية دينية أو عرقية تختلف عما يراه جاره أو زميله أو ابن أبيه وعمه.. ويمكن اختزال المشكلة بالقيود التي ترسف فيها أذهانُنا حين برمجناها لتقبل رأياً واحداً، وتؤمن بحقيقة واحدة، وتستضيئ بنورٍ واحد..!
(4)
** رأى نلسون مانديلا (1918) - الذي بقي ومات سجانوه - أن طريق الحرية طويلة، وأن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً عظيماً وجد من ورائه جبالاً أخرى (رحلتي الطويلة من أجل الحرية ص585)، وفي قوله - مثلما فعله - درسٌ لمن ظن البطولة مواقف مؤقتةً يحدُّها زمن ومكان، ليرفع رايتها - في النهاية - إنسان يتاجر بجهود وجهاد المناضلين وفي مقدمتهم أناسٌ عاشوا وماتوا في الظل، وكانوا السبب في رسم ملامح الأبطال..!
** هنا صورةٌ لمشكلةٍ ذهنيةٍ عربية تقدّس (الفرد) حتى يتوهم أنه سيّد الحق ورجل الإنجاز والإعجاز، وحين يُكوِّن - من خلفه - أتباعاً أو (قطيعاً) فإنهم يُجلِّونه عن مراتب البشر..!
** بهذا تنشأ أجيال منقسمةٌ على نفسها.. وكلٌّ منها يدعي أنه قد تسنم قمة الجبل دون أن يقتنع بوجود جبالٍ أعلى، وأن في السفح والقاع جذوراً كوّنت الذرى..!
(5)
** نجح (غاندي) - وهو مثل آخر - لأنه اشترط - في تجربته التحرريّة - أن يكون هو نموذج التغيير الذي تطلع لتطبيقه في بلاده والعالم..!
** وإذن فالنموذج مُهم للقيادة الفكرية والإدارية والاجتماعية والسياسية القادرة على تقديم رموزٍ للتغيير المفترض.. وهو ما تفتقده الأجيال حين ترى (المنهج) في واد و(المسلك) في واد آخر.. إذ يكفي أولئك أن يختزلوا مبادئهم في كلماتٍ تقال أو تكتب فترضيهم وترضى عنهم.. وتجد من أربابهم مَنْ يموسقها ويلحنُها ويشدو بها..!
** ولعل (غاندي) لم َينأ - هنا - عن رؤيته لدور (الإعلام) في فهم الرأي العام والتعبير عنه وخلق توجه لدى الجماهير ثم كشف الأخطاء دون خوف..!
** اتفق المنهج والسلوك فكانت التجربةُ رائدةً في نجاحِها، كما كانت بعض تجاربنا الإسلامية متميزة في وعيها بأهمية التواؤم بين القول والعمل.. وهنا فاصلةُ الوعي في معادلة الحقيقة والزّيف..!
(6)
** تنطلق مشكلة تيه الحقيقة من زاعمي امتلاكها من جانب، ومخالفي متطلباتها من جانب آخر.. لينطلق أولاء وأولئك في سباقٍ غريب تبرزه وسائط التحيّز، ويُخدع به باحثو التعزُّز والتميُّز..!
** سقط الخطاب الغربيُّ حين اتكأَ على القوة، ومارس الاستعباد، ولجأَ - رغم ذلك - إلى الالتجاء إلى (المقدّس).. وسقط خطابُنا العربيُّ - الإسلاموي عندما اكتفى بممارسةِ التنظير المجرّد.. فتلوثت رموزُه، وفقد صدقيّته، واكتفى بالصّخب والخُطب والتطهر العلني، والمساومة والسقوط الداخلي..!
(7)
** قد نخلص - بعد هذا - إلى الاقتناع بهلاميّة الحقيقة في الذهن البشري مما يدعونا - في خطابنا الإسلاموي - إلى محاولة التعايش بين أبناء الأمة الواحدة ما دامت الأركانُ مقامةً وبها تُعصم دماء الناس وأموالهم، ويبقى - بعد ذلك - حساب الجميع عند الله تعالى..!
** عشنا الفرقة والتشرذم، وأنهكتنا دعاوى العملقةِ والتقزم، وأدركنا - بعد لأي - ألا جدوى مِنْ حمل أحد على الحقِّ عنوة، ولا مبرر لإعلان احتكار الحقيقة بالقوة..!
** نحتاجُ إلى (التسامح) و(التعددية) و(الظن الحسن) و(الحوار المفتوح) و(تحطيم الأصنام الشخصية).. فالحقيقةُ حمّالةُ أوجه لا يمكن أن يختطفها مذهب أو تيّار أو توجه.. وأعداؤنا يحاربوننا باسم الله (باطلاً).. أفلا نجتمع على اسمه (حقاً)..!
* المرجعيّة فهمٌ وتفاهم..!
email:
|