يقول مثل فرنسي: (مَن ولد أحمق مات أحمق). ويقول مثل ألماني: (ما لم يتعلمه حنين لن يتعلمه حنا). والمعنى واحد، والمقصود منه هو ما سماه مؤخراً أستاذ السربون الفرنسي (ألفرد بيني) حينما ألقى محاضرة في تربية الذهن؛ إذ استنكر (احتقارنا لقدرة الذكاء البشري على التكمل).
والنتيجة العلمية في التربية هي أن الأكثرين يؤمنون بنوع من (حتمية) طبيعية جعلت الأطفال نوعين: النوع النبيه والذكي، ثم النوع البليد والخامل.
وكم مرة يقول الوالدون أنفسهم: لا رجاء من هذا الولد ولا فائدة!.. عقله مسدود!
على أن هذا القول وما شاكله وشابهه عين الخطأ من الوجه العلمي. فكم من ولد كان معتبراً في المدرسة (حمار الصف) ثم نبغ فيما بعد وأصبح من العقول الراجحة الذائعة الصيت. والأمثلة على ذلك لا تحصى، من أينشتاين (المسدود العقل في الرياضيات) حسب رأي أستاذه في المدرسة! إلى العالم الفرنسي المعاصر (جان روستان) الذي كان أستاذه يقول له: كن شاعراً إذا شئت، ولكن كف عن تشريح الحشرات، فليس لديك أي موهبة في علم الحياة. وإن روستان في الساعة الحاضرة أشهر علماء الحياة في العالم بأسره!
الذكاء لا حدود له
كان يظن أن الذكاء شيء ثابت ومقدار معين تستحيل زيادته، فهو كالكأس لها سعة معينة، وكل ما يزاد على سعتها إنما يفيض ويراق جزافاً.
وهذه نظرية كانت شائعة جداً قبل ظهور علم النفس التجريبي، الذي أثبت أن الذكاء لا حدود له. مثال ذلك أن سفرة واحدة إلى بلدان أجنبية بعيدة عن المحيط العادي قد تضاعف الذكاء وتزيده قدرة وتوسع آفاقه إلى حد لم يكن بالحسبان.
وقد رسم الأستاذ (بيني) المنحنى البياني الذي سماه (منحنى التقدم الذهني) فلاحظ أنه يظل صاعداً حتى نهاية العمل، وأنه لا تطرأ عليه مرحلة جامدة إلا إذا انصرف الإنسان عن النشاط الذهني.
وشأن الذهن في ذلك شأن كل الأجهزة البدنية متى تعطلت عن النشاط تقلصت وضمرت.
وعلى هذا يعتقد الأستاذ الفرنسي أن أسلوب التعليم هو المسؤول الأول عن ذكاء الأطفال أو عن بلادتهم وخمولهم. ولا شك أن المواهب الأصلية تختلف بين خولد وآخر، وليس كل الناس متساوين في الذكاء وحدة الذهن. وإنما لا تؤمن المدرسة العصرية بأن بين الناس مَن هو (حمار تام) كما قال الأستاذ (بيني)، ففيما خلا حالة المرض لا تختلف صيغة الدماغ كبير اختلاف بين إنسان وآخر، فحتى النوابغ والعباقرة إنما صعدوا إلى منزلتهم العالية لا بالذكاء الفطري وحده، بل بالتمرين والنظام والأسلوب، مما جعل واحدهم يعرف العبقرية كما يلي: (العبقرية درهم ذكاء وقنطار من عرق الجبين)، مشيراً بذلك إلى المشقة والتعب الواجب لإدراك مستوى النبوغ.
قال فولتير فيلسوف القرن الثامن عشر: (التربية تنمي المدارك، ولكنها لا تخلقها).
وهو صحيح إلى حد بعيد، غير أن فولتير كان يجهل كل ما اكتسبه علم النفس التجريبي فيما بعد. ومن هذه المكاسب أن الذكاء قابل للتكمل، وأنه لا حدود لنموه. وفي أي حال فمن الخطأ الفادح أن يعتبر بعض الأطفال في المدارس منسدي العقل كما يقال عامة.
ففي 99% من الأحوال ليس الذكاء بيت الداء، بل إنما بيت الداء هو إما ضعف الإرادة والتقاعس، وإما سوء الأسلوب التربوي وعدم التزام النظام.
|