Tuesday 4th May,200411541العددالثلاثاء 15 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

18-6-1391هـ الموافق 10-8-1971م العدد 355 18-6-1391هـ الموافق 10-8-1971م العدد 355
رسالة الي كل أب لطفل

* عزيزي القارئ:
الحياة جميلة ورائعة وأجمل ما فيها الإنسان.. مع أن الإنسان قد لا يحتفظ بكامل جماله الذي يتعكر بشوائب الحياة.. حيث يطغى الشر على الخير.. والكراهية على المحبة.. واللوم على الوئام.
ومع هذا فطبيعة الإنسان وتركيبه الفسيولوجي تجعله يخضع جاثياً على ركبته أمام تأثير وقع العبارات والكلمات التي ترسم وتترجم بأمانة الطريق الصحيح الذي يجب أن يسير عليه..
وإيماناً بجدوى الكلمة.. وتمشياً مع واقع مجتمعنا حيث إن بعض الآباء الذين ما إن يرزقوا بطفل حتى يجعلوا حياته مليئة بالعذاب والنكد وحرمان العاطفة الأبوية..
وانطلاقاً من أن ديننا دين محبة وخير ووئام ورفق.. لذا رأيت أن من واجبي أن أنقل بكل أمانة رسالة أو بالأحرى مقالاً نشر في جريدة (بيبولزهوم جورنال) بعنوان: (بابا ينس) للكاتب فنجستون لارند، انه مقال مليء بالكلمات التي تهز العاطفة وتحرك أصحاب القلوب القاسية.. وإليكم نص ما نشر في كتاب: كيف تكسب الاصدقاء لديل كارنيجي.
بابا ينس
يا بني..
أكتب هذا وأنت راقد أمامي على فراشك، سادر في نومك، وقد توسدت كفك الصغير، وانعقدت خصلات شعرك الذهبي فوق جبهتك الغضة.
فمنذ لحظات خلت كنت جالسا الى مكتبي أطالع الصحيفة وإذا بفيض غامر من الندم يطغى علي، فما تمالكت الا أن تسللت إلى مخدعك ووخز الضمير يصليني ناراً.
وإليك الاسباب التي أشاعت الندم في نفسي: أتذكر صباح اليوم: لقد عنفتك وأنت ترتدي ثيابك تأهباً للذهاب إلى المدرسة، لأنك عزفت عن غسل وجهك، واستعضت عن ذلك بمسحه بالمنشفة.. ولمتك لانك لم تنظف حذاءك كما ينبغي.. وصحت بك مؤنباً لانك نثرت بعض الادوات عفواً على الأرض!! وعلى مائدة الافطار أحصيت لك الأخطاء واحدة واحدة، فقد أرقت حساءك والتهمت طعامك وأسندت مرفقيك الى حافة المائدة، ووضعت نصيباً من الزبد على خبزك أكثر مما يقتضيه الذوق!!
وعندما وليت وجهك شطر ملعبك، واتخذت أنا الطريق إلى محطة القطار، التفت إلي ولوحت لي بيدك، وهتفت: مع السلامة يا بابا، وقطبت لك جبيني ولم أجبك، ثم أعدت الكرة في المساء، فحينما كنت أعبر الطريق لمحتك جاثياً على ركبتيك تلعب (البلي) وقد بدت على جواربك ثقوب، فأذللتك أمام أقرانك، اذ سيرتك الى المنزل أمامي مغضباً باكياً.. إن الجوارب يا بني، غالية الثمن ولو كنت أنت الذي تشتريها لاعتنيت بها وحرصت عليها.
أفتتصور هذا يحدث من أب؟!
ثم أتذكر بعد ذلك.. وأنا أطالع في غرفتي كيف جئت تجر قدميك متخاذلاً، وفي عينيك عتاب صامت، فلما نحيت الصحيفة عني وقد ضاق صدري لقطعك علي حبل خلوتي وقفت بالباب مترددا وصحت بك: (ماذا تريد؟!).
لم تقل شيئاً.. ولكنك اندفعت إلي، وطوقت عنقي بذراعيك وقبلتني وشددت ذراعيك الصغيرتين حولي في عاطفة أودعها الله قلبك الطاهر مزدهرة لم يقو حتى الاهمال أن يذوي بها.
ثم انطلقت مهرولاً تصعد الدرج إلى غرفتك!
يا بني..
لقد حدث بعد ذلك ببرهة وجيزة أن انزلقت الصحيفة من بين أصابعي وعصف بنفسي ألم عات. يا الله! إلى اين كانت (العادة) تسير بي؟! عادة التفتيش عن الأخطاء؟! عادة اللوم والتأنيب؟! أكان ذلك جزاؤك مني على أنك ما زلت طفلا؟!
كلا! لم يكن مرد الأمر أني لا أحبك، بل كان مرده أنني طالبتك بالكثير، برغم حداثتك! كنت أقيسك بمقياس سني وخبرتي وتجاربي، ولكنك كنت في قرارة نفسك تعفو وتغضي وكان قلبك الصغير كبيراً كبر الفجر الوضاء في الأفق الفسيح.
فقد بدأ لي هذا في جلاء من العاطفة المهمة التي حدت بك إلى أن تندفع الي وتقبلني قبلة المساء!
لاشيء يهم الليلة يا بني! لقد أتيت إلى مخدعك في الظلام وجثوت امامك موصوما بالعار!
وانه لتفكير ضعيف!!
أعرف أنك لن تفهم مما أقول شيئاً - لو قلته في يقظتك - ولكن في الغد سأكون أبا حقاً، سأكون زميلا وصديقاً.. سأتألم عندما تتألم، وسأضحك عندما تضحك، وسأعض لساني إذا اندفعت إليك كلمة من كلمات اللوم والعتاب، وسأردد على الدوام (ان هو الا طفل) لشد ما يحز في نفسي أنني نظرت إليك كرجل.. الا انني وأنا أتأملك الآن في مهدك أرى أنك ما زلت طفلاً وبالامس القريب كنت بين ذراعي أمك يستند رأسك الصغير إلى كتفها، وقد حملتك فوق طاقتك..!!

عبدالكريم علي الفايز /الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved